[رسم تخطيطي لخلية نباتية].
تتكون جميع أشكال الحياة المُعقدة، من ضمنها النباتات والحيوانات والعتائق، من الخلايا حقيقية النواة (eukaryotic cells)، أي خلايا مع نواة وآلية نقل, وغالباً مع عُضيات مثل المُتقدرات (mitochondria)؛ تقوم بالوظائف التي يحتاجها الكائن الحي بغية يبقى حيًّا دون أن يصاب بأي مرض. يمتلك الإنسان 220 نوعًا مُختلفًا من الخلايا حقيقية النواة؛ مُتحكمةً بكل شيءٍ من التفكير والحركة إلى التكاثر والدفاعات المناعية.
وسبباَ لتلك القواسم المشتركة؛ يُعتبر تطور الخلايا حقيقية النواة واحدًا من أهم الأحداث في تاريخ الحياة على الأرض. وبدونها؛ ستكون الأرض بأكملها مأهولة بخلايا بدائية النواة – كائنات وحيدة الخلية مثل البكتريا والعتائق – مع عدم وجود أي فرصة على الإطلاق إما لتصوير فيلم حراس المجرة (Guardians of the Galaxy) أو الاحتفال بليلة الميلاد.
لقد تم القبول بصورة عامة بأن الخلايا حقيقة النواة كانت قد نشأت من علاقة تكافلية – منفعة مُتبادلة, وليس علاقة تطفلية – بين البكتريا والعتائق. تُشابه العتائق البكتريا، ولكنها تمتلك العديد من الاختلافات الجزيئية. وتتكون حقيقيات النواة والكائنات الحية من خلايا حقيقية النواة ـكثر تعقيداً, والتي تتميز ببناءٍ داخليٍّ مُتقنٍ مثل: نواة الخلية التي تَضُم بداخلها معلوماتٍ وراثيةٍ على شكل DNA داخل غلاف مزدوج؛ والميتاكوندريا: وهي عضيات محصورة في غشاء وتُزوِّد الخلية بما تحتاجه من الطاقة الكيميائية حتى تُجري وظائفها؛ وجهاز الغشاء الخارجي المسؤول عن نقل البروتينات واللبيدات حول الخلية.
وعلى الرغم من العديد من القصص التي تتمحور حول أصلها منذ اكتشاف عُضياتٍ داخل خلايا في القرن الثامن عشر؛ إلا أن الاعتقاد السائد هذه الأيام هو أن حقيقيات النواة جاءت حينما ابتُلِعَت البكتريا بوساطة العتائق. ويُقال أن البكتريا المُبتلَعة كانت قد سببت نشوء الميتاكوندريا, في حين أن القطع المنضوية داخل غشاء الخلية الخارجي شكلت حُجرات داخلية للخلايا الأخرى؛ متضمنةً النواة وجهاز الغشاء الخارجي.
[صورة توضح بكتريا تقاوم المضادات الحيوية].
ووفقاً لدايفيد باوم (David Baum)؛ أستاذ علم النبات والبايلوجيا التطورية في جامعة ويسكونسن ميدسون (Wisconsin-Madison): «تحظى النظرية الحالية بقبول واسع, ولكن لا يمكنني التصريح والقول بأنها أساسية، حيث لم يُبدِ أحدٌ أي تفسيرات جادة وبديلة لهذه الفكرة». وجنباً إلى جنب ابن عمهِ باز باوم (Buzz Baum)؛ عالم الخلية البايلوجي في جامعة كلية لندن، قام بصياغة فرضية جديدة لكيفية تطور الخلايا حقيقية النواة، وهي فرضية «من الداخل إلى الخارج» لتطور خلايا حقيقية النواة.
اقتُرِحت فكرة «من الداخل إلى الخارج» بواسطة (باوم)، وهي تشير إلى أن حقيقيات النواة تطورت تدريجياً مع نتوءات الخلية المُسماة بالبثرة, التي استخدمتها لتوقِع ببكتيريا حرة شبيهة بالميتاكوندريا. وتستمد الطاقة من البكتريا المحصورة مستخدمةً اللبيدات البكتيرية – حوامض عضوية دهنية غير ذائبة – كمادةِ بناء. ثم نمَت البثرات أكثر؛ لتبتلع البكتريا في نهاية المطاف، خالقة بُنىً غشائية من جسور الحجرات الخلوية الداخلية.
ويقول (باوم) أن تنبؤاتهم يمكن اختبارها. مضيفًا: «أولًا؛ تقترح فكرة من الداخل إلى الخارج مسارًا تدريجيًا ثابتًا من التطويرات الخلوية والجزيئية المطلوبة. وهذا فقط ما يحتاجه النموذج التطوري. ثانيًا؛ يقترح النموذج طريقةً جديدةً للنظر إلى الخلايا الحديثة».
وكما يقول (باوم), فالخلايا حقيقية النواة الحديثة يمكن ان تمحيصها في سياق هذه النظرية الحديثة بغية الإجابة على أسئلةٍ ذات ملامحٍ غير واضحة, بما في ذلك سبب ظهور أحداثٍ نوويةٍ موروثة من عتائق؛ بينما تبدو ملامح أخرى وكأنها اشتُقَّت من البكتريا.
طريقة عمل الخلايا حينما تنقسم تتطلب تفاعلات الخلايا المتطورة عبر ملايين السنين لتَقطع الخلية إلى نصفين في عملية انقسام الخلية. ويمكن إعادة توجيه نفس الوظائف الجزيئية بطريقة تتوافق مع الفكرة التي تقدم بها (باوم): لماذا تصرف طاقة من أجل إعادة أشياءٍ صُنعت منذ آلاف السنين من أجل حاجة بسيطة في الخلية؟ تتطور وظائف هذه البروتينات فقط وتتغير بصورةٍ مشابهةٍ لبناءِ الكائنِ الحي وتغيُّر وظائفه.
لايزال هنالك مشكلة عملاقة تنتظرُ جميع الأفكار الجديدة التي تُطرح حول أصل الخلايا حقيقة النواة، مثل «شفرة أُوكام» و«ضآلة السجل الأحفوري». ويوضح (دافيد باوم): «حينما يتعلق الأمر بخلايا مُتفردة؛ فنادرًا ما يقدم السجلُّ الأحفوري فائدةً بالأساس. بل من الصعب أصلاً معرفة ما إذا كانت الخلايا حقيقية النواة أم خلايا عديمة النواة. لقد قمتُ بالبحث عن دليل للأحافير الدقيقة مع النتوءات, لكن وبشكل معتاد؛ ولم يكن هناك ترشحيات جيدة».
[رسم تخطيطي لـ Archaea].
يقترح (باوم) وسيلة من المحتمل أن تكون أكثر فائدة للاستكشاف, وهي أن يكون البحث عن أشكالٍ لخلايا وسطية مع بعض ملامح – ليس للجميع – الخلايا حقيقية النواة. وهذا يعني أن الوسيطات التي كانت موجودة قد انقرضت, وعلى الأرجح بسبب المنافسة مع حقيقيات النواة المتطورة بالكامل.
مع ذلك؛ ومع فهمٍ أكثر دقةٍ لكيفية تطوّر الخلايا المعقدة؛ قد يكون من الممكن تشخيص الوسيطات الحية, حيث يقول (باوم): «أنا على أمل من أننا في يوم من الأيام سنعرف كيف نشأت عائلة حقيقيات النواة, وسنجد ربما حقيقية النواة التي لديها صفات وسيطة».
«إنها تحدٍّ جديد للخلايا حقيقية النواة, والذي أجده ساحرًا ومثيرًا». هذا ما تقوله جوديث كيمبل (Judith Kimble)؛ أستاذة الكيمياء الحيوية في جامعة (UW-Madison) مضيفةً: «ليس لدي فكرة لا أعرف ما إذا كانت صائبة أم لا, ولكنها قد صِيغَت بشكلٍ جيد من استعارةٍ لتفاصيلٍ ومن توفير لفرضيات يمكن اختبارها. وهذ في حد ذاتهِ مُفيد بشكل لايصدق».
المصدر: من هنا