تمتلئ صفحاتُ التاريخ بقصصٍ عن المآسي والضياع واليأس، وفي بعض القصص توجد إضاءة أمل في شخصيات العشاق الذين لا يتملكهم اليأس في حبهم الحقيقي، ملوكٌ وملكات؛ أباطرةٌ وإمبراطورات؛ عشيقاتٌ ومحظيات. فالحب لا يكترث للمسميات والعناوين. لقد بلغت بعض قصص الحب من القوة لأن تصبح تاريخَ أُمّة.
3. (فلاديمير لينين) و(إنيسا أرماند):
في الـ16 من إبريل عام 1917؛ قام الرجلُ الذي أسقط الإمبريالية الروسية وأقام الاتحاد السوفييتي بالنزول من القطار في )سانت بطرسبرغ). حمَلَ هذا القطار الدولي 10 ملايين من التمويل الألماني للثورة التي أطاحت بحكومة القيصر (نيكولاس الثاني) ووضعت الروس على طاولة التفاوض في الحرب العالمية الأولى. ومن المثير للسخرية أن معظم المُموِّلين لثورة البلاشفة كانوا من الرأسماليين في (وول ستريت).
وكانت (إنيسا أرماند)، عشيقة (لينين)، أحد العابرين عن طريق هذا القطار. كانت (إنيسا) أكثر أتباع (لينين) ومساعديه حماساً لسنواتٍ طويلة. وخلال نفي (لينين)؛ كانت فعالة في جمع المساعدة من أجل البلشفيين؛ والتنسيق مع الجماعات ذات الصلة في الشرق الأوروبي. وكانت محبة للموسيقى، وخصوصاً أعمال (بيتهوفن) التي كان يعشقها (لينين) أيضاً. وكانت تتكلم 5 لغاتٍ بطلاقة، وكان (لينين) يثق بها للتحدث باسمه في المؤتمرات مع أمثال كلاً من (روسا لكسميورغ) و(ليون تروتسكي). كما كانت تؤيد الدور الكبير للنساء في المجتمع الشيوعي.
بعد 3 سنوات من وصولهما إلى (سانت بطرسبرغ)؛ أصبحت هي و(لينين) يمسكان السلطة في روسيا، وأُصيبَت (إنيسا) بالكوليرا وتُوفيت في الـ24 من سبتمبر عام 1920. صُدم (لينين) بموتها حتى النخاع، وربما ذلك ما عَجَّل برحيله. وُصف (لينين) خلال جنازتها الفارهة بأن «شكله كان يعكس الكثير من الأسى، وكان يبدو كأنه منكمش وعيناه تغرقان بالدموع».
2. (إيرنان كورتيس) و(مالينشي):
تدور الكثير من القصص والأساطير حول قصة حب (مالينشي) للفاتح (إيرنان كورتيس). تتضمَن إحدى القصص عن (مالينشي) قيامها بخطأ بحق الآلهة؛ عندما طلبت منها امرأةٌ عجوز أن تزيل اللعنة مشيرةً إلى بركان في الأفق. هربت (مالينشي)، لكن السكان المحليون ربطوها بالخرافة لدرجة أنهم أسموا البركان باسمها.
اختلفت صورُها على نحوٍ كبير عبر البلدان. واحدٌ من أكثر الكاريكاتيرات المحزنة لـ(مالينشي)؛ صَوره الوطنيون المعاصرين على أنها الغاوية والخائنة التي وضعت استقلال البلاد بيدِ قوةٍ أجنبية. ما نعرفه عنها أنها كانت واحدة من 27 امرأة عُرضن كتقدير للأسبان بعد أن هُزمَت قبيلة محلية في معركة. عرف (كورتيس) قيمة (مالينشي) عندما عرف أنها تتحدث لغات (المايا) و(الناواتل)، وهي اللغات الرئيسية في تلك المنطقة.
أصبحت (مالينشي) مترجمة (كورتيس) ومُرشدته وعشيقته، وكانت تساعده في تعاملاته مع السكان المحليين، سواء كان ذلك عن طريق التماس المواد الغذائية أو السؤال عن اتجاهات الطرق أو حتى المفاوضة بشؤون السلام والصفقات والتحالفات. عُمِّدَت (مالينشي) وأصبحت تُعرف بـ«دونا مارينا». وولدت ابنها (مارتن)، وهو واحد من أوائل الهجناء – الاشخاص ذوي الأصول النصف أسبانية نصف أمريكية أصلية -.
1. (فيرديناند) و(إيزابيلا):
لم تلتقِ (إيزابيلا) أميرة قشتالة (فيرديناند) أمير أراغون قط، لكنها سمعت أنه وسيمٌ وذكيٌّ ومليءٌ بالحيوية. وهو كذلك لم يرَها، لكنه سمع عن جمالها وذكائها وجاذبيتها. لقد أحبا بعضهما رغم البُعد. قام أخو (إيزابيلا)، الملك (إنريكي السادس) بمنعهما من اللقاء، وكان يخطط لأن يزوجها لأحد النبلاء الفرنسيين أو البرتغاليين، ولكن وجد الحب طريقه.
في أحد الأيام؛ قرر الأمير أن يلتقي أميرته. ولتجنب أن يُكشف أمره؛ تخفى بزِيّ تاجرٍ بسيطٍ، بينما خدعت (إيزابيلا) الملكَ (إنريكي) بأن أخبرته أنها تنوي زيارة سرداب إخوتها. وعندما التقى الإثنان أخيراً؛ يقال بأنهم بقيا يتحدثان لساعات. وقادهما حديثٌ بسيطٌ إلى الزواج مباشرة في الـ19 من أكتوبر عام 1469 في (بلد الوليد).
وفوراً، أعلن ملك البرتغال – الذي زعم بحقه في عرش قشتالة – الحرب على (إيزابيلا)، ولكن كان (فيرديناند) كان إلى جانبها. حيث أرسل أخباراً إلى عددٍ هائلٍ من البرتغاليين المهزومين بأن الروح المعنوية لدى المعارضين عالية، بينما ذهبت (إيزابيلا) بنفسها للتفاوض مع المتمردين بالثورة المحلية.
اعتلت (إيزابيلا) عرش قشتالة، بينما اعتلى (فيرديناند) عرش أراغون. وشَهِد اتحادهما نهاية الحكم الإسلامي؛ عندما أصبحت المملكة الإسلامية في غرناطة تحت سيطرة المسيحيين، وأصبحت لهما مكانتهما في الدين والتاريخ كـ«ملِكيْن كاثوليكيَّيْن». وأدى حبُّهما وزواجُهما إلى توحيد إسبانيا المعاصرة، ثم تلى ذلك فترة من الأمان والازدهار؛ مما جذب مستكشفاً من جِنوَة يُدعَى (كريستوفر كولومبوس).
عندما تحدث (كولومبوس) عن رحلته غرباً إلى الهند؛ لم يكن (فيرديناند) في البداية متحمِّساً للفكرة حتى منحته (إيزابيلا) دعم قشتالة الكامل. ملأ اكتشاف العالم الجديد خزائنَ إسبانيا، وانتشرت المسيحية من كاتدرائيات (طليطلة) إلى سواحل المكسيك والأرجنتين غرباً، وسواحل الفيليبين شرقاً. كل ذلك ممكنٌ عندما يقرر أميرٌ وأميرة اللقاء والقيام بأشياء عكس كل ما هو متوقع.