يسأل أحدُهم: عندما تسأل شخصاً ما سؤالاً يرغمه على تذكُّرِ شيءٍ ما؛ يبدو أن الجميع يقوم بالنظر إلى الأعلى أو إلى الجانب. لماذا نفعل هذا؟
سواءً كان النظر إلى الأسفل أو إلى اليسار، أو كان النظر بشكلٍ ثابتٍ ولكن بدون تركيز، أو كان النظر إلى الأعلى أو إلى اليمين، فعندما نتلقى سؤالاً صعباً أو نحاول استعادة ذاكرةٍ مدفونة منذ زمن بعيد؛ يميل معظمُنا إلى تحويل عيْنيْه باتجاه مُعيّن. وعلى الرغم من عدم وجود إجابةٍ محددةٍ لسببِ قيامنا بهذا؛ فهنالك نوعان من النظريات الأساسية التي تحاول تفسير سبب قيامنا بتحويل أعيننا باتجاهات مختلفة عندما نحاول القيام بصياغة جوابٍ مُعيّن.
• الشبكة الدماغية:
في بداية السبعينات؛ قام علماءُ النفس العصبي بالمجال الصاعد للبرمجة اللغوية العصبية (NLP) بالبدء بعمل تجارب على الظاهرة المشهورة والمفهومة بشكل سيّء؛ وهي ظاهرة الناس الذين ينظرون إلى الجانب- أحياناً إلى الأعلى أو إلى الأسفل- عندما يحاولون التذكرَ أو الإجابةَ على سؤالٍ صعب، وتُدعى هذه الظاهرة بـ«حركة العين الجانبية» أو (LEM).
وبعد الوضع في الاعتبار أن نصفي الدماغ قد نُشِّطا للاستجابة لأنواعٍ مختلفة من العمليات المعرفية؛ قام العلماءُ بقيادة بول باكان (Paul Bakan) بالبدأ بملاحظة ودراسة مواضيع الاختبار؛ بينما يقومون بطرح الأسئلة التي تَعتَمد على أنواع معينة من التفكير (مثل الأسئلة البصرية والحركية والعاطفية والسمعية) وكذلك الأسئلة التي تعتمد على الذاكرة و تركيبها (مثل الطلب من المختَبَرين بارتجال شيءٍ ما).
بعد سنوات من دراسة أُناسٍ من مختلف أنحاء العالم؛ برزت عدة أنماط ثابتة للحركة الجانبية للعين، على الرغم من أن نمط الأشخاص الذين يستخدمون أيديهم اليسرى عبارة عن صورة مطابقة للأشخاص الذين يستخدمون أيديهم اليمنى.- الجدير بالذكر أن الأشخاص البارعين باستخدام أيديهم اليمنى واليسرى بشكلٍ متساوٍ؛ وهم نادرون؛ استطاعوا كسر النمط لبعض أنواع التفكير-.
في جميع الأحوال؛ كان نمط الأشخاص الذين يستخدمون أيديهم اليمنى كالتالي:
– العين تنظر لليمين: الصور (النظر إلى الأعلى)، الأصوات والكلمات (النظر إلى الجانب)، اللمس والمشاعر العميقة (النظر إلى الأسفل).
– العين تنظر لليسار: الصور التي تم تذكرها (النظر إلى الأعلى)، الأصوات والكلمات والنغمات المميزة (النظر إلى الجانب)، الحوار الداخلي (النظر إلى الأسفل).
– العين تنظر بشكلٍ مستقيم: الوصول السريع للمعلومات الحسية (النظر بدون تركيز، أو النظر بشكل واسع).
لا يصدق كلُّ الأشخاص نظريةَ (LEM)، ولتجربة هذا الأمر؛ قام العديد من علماء النفس عام 2012 بمراقبة تحركات العين ومراوغتها لمعرفة ما إذا أظهر الكاذبون النمطَ النموذجي لحركات العين الجانبية الكاذبة للصور والكلمات (العين لليمين أو إلى الأعلى أو إلى الجانب)، وما إذا أظهر الصادقون نمط تذكر الأشياء، مثل تذكر الصور والكلمات (العين تكون لليسار إو إلى الأعلى أو إلى الجانب).
قام العلماء بإجراء ثلاثَ تجاربٍ. في التجربة الأولى؛ قاموا بكل بساطة بمراقبة الناس وهم يتحدثون- كُلاً من الذين يكذبون والذين يقولون الحقيقة-، ولكنهم لم يتمكنوا من رؤيةِ نمطٍ واضحٍ بينهم.
وفي التجربة الثانية؛ أخبروا نصفَ المشتركين بالتجربة عن نمط حركات العين الجانبية (LEM)؛ ثُم أجروا اختباراً للكشف عن الكذب، ولكن مرة أخرى لم تكن هناك فروقٌ ملحوظة بين الصادقين والكاذبين.
وفي التجربة الثالثة؛ قاموا بمراجعة و ترميز حركات العيون للناس الذين تحدثوا في مؤتمراتٍ صحفية رفيعة المستوى في كلٍ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واستراليا، حيث كان المتحدثُ في هذه المؤتمرات يتوسل ويطالب بعودة فردٍ مفقودٍ من عائلته.
وكانت النتيجة أن نصف المتحدثين من بين 52 متحدثاً كانوا متورطين في اختفاء أقاربهم، وكانوا يكذبون حول هذا الأمر في المؤتمر الصحفي، وكان النصف الآخر من المتحدثين لا يكذب. لم يُفلح الترميز في إيجاد نمطٍ ملحوظ يمكن تمييزه بين من يكذب ومن يقول الحقيقة، ولم يكن هناك فرق بين حركات العيون للمجموعتين.
وعلى الرغم من أنها كانت دراسة واحدة؛ ولكنها بالتأكيد تشكك في صحة و مصداقية نظرية باكان (Bakan) التي تشير بأن نوع العملية المعرفية هو من يُملي نوعَ حركة العين.
• التركيز:
تقول النظريةُ الثانيةُ أن الناس ينظرون بعيداً عندما يحاولون التذكر أو الإجابة على سؤالٍ معين لسببٍ بسيطٍ؛ وهو لمساعدة أنفسهم على التركيز في المشكلة بعيداً عن حالات التشتيت البصرية. شبيهٌ بذلك عندما يقوم الناس أحياناً بخفض صوت الموسيقى في سياراتهم عندما يحتاجون إلى التركيز على قيادة السيارة فقط.
وبغض النظر عما إذا كانت نظرية (باكان) صحيحة؛ فمن المعروف أن بعض الأسئلة تجعل الناس تنظر بعيداً، وكلما كان السؤال صعباً؛ كان من المرجح أن تشهد حدوث حركة جانبية للعين (LEM).
يعتقد الكثيرون أن الناس ببساطة تجد صعوبة في فعل أكثر من شيء في وقتٍ واحد، ولذلك يلجأ الشخص إلى النظر بعيداً سواءً باتجاه اليمين أو اليسار؛ في محاولةٍ منه لإزالة ما يشتت إنتباهه سواء كان وجهَ شخصٍ ما أو صورةً او شاشة، حتى يكون قادراً على تركيز انتباهه على الأمر الذي بين يديه.
هذه النظرية الأخيرة تم تعزيزها بواسطة البحوث التي أُجريَت مؤخراً؛ والتي طُرِحت فيها أسئلة على الناس، وطُلِب منهم عدم النظر بعيداً عند التفكير، حيث واجه الناس صعوبة في إيجاد الجواب.
• حقائق إضافية:
– بمعرفة الارتباط بين الاستدعاء والعمليات المعرفية وحركات العين الجانبية (LEM)؛ قام بعضٌ من العاملين بمجال الصحة العقلية بإجراء تجاربٍ بعلاجٍ يسمى حركة العين الحساسة وإعادة المعالجة (EMDR). وخلال هذه المعالجة؛ جعلوا المريضة تقوم بتذكر ذكرى معينة بقدرٍ كبيرٍ من التفاصيل أثناء تحريك عينيها بشكل أفقي، ذهاباً وإياباً بسرعة كبيرة. تُظهر الأبحاث الأخيرة أن هذا العلاج يمكن أن يكون علاجاً فعالاً لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
في دراسة أُجريَت عام 2011 على مجموعتين من المرضى يُعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، خضعوا لعلاج حركة العين الحساسة و إعادة المعالجة (EMDR)، باستثناء مجموعة واحدة لم تؤدي حركات العين السريعة- أبقوا أعينهم مغلقة-. وذكرت المجموعة التي حركت عيونها أنها شعرت بالضيق عن تلك المجموعة التي لم تُحرك أعينها.
يعتقد مؤيدي علاج (EMDR) أن العلاج ينجح إذا تم تجريد المريض من الذكريات المقلقة التي تسبب ضيقاً لهم.
– يبدو أن هناك ما هو أكثر من المؤثرات البصرية التي تحد من أداء الشخص المعرفي. ففي دراسةٍ حديثة لسائقي السيارات المبتدئين؛ تبين أن الاستماع للموسيقى التي تكون من اختيار السائق بصوتٍ عالٍ؛ تُسبّب تشتيت الانتباه أكثر من الاستماع إلى موسيقى عشوائية وبدرجة صوتٍ أقل.
وفي دراسةٍ منفصلةٍ في لندن؛ وجد الباحثون أن الاستماع إلى الموسيقى ذات الإيقاع السريع أدى إلى مزيدٍ من التشتت و مزيدٍ من السرعة اثناء القيادة.
المصدر: هنا