كتبه لموقع theconversation : فاليري فان مولوكوم
ترجمة: وميض صباح
تدقيق: امير صاحب
تصميم: اسماء محمد
تخيل مدير شركة كبيرة يعلن قرارًا هامًا ويبرره على أساس حدس جاءه. هذا سيقابل بعدم التصديق – بالتأكيد يجب التفكير في القرارات الهامة بعناية وبشكل عقلاني.
في الواقع أن اعتمادك على حدسك في اتخاذ القرارات المهمة بشكل عام له سمعة سيئة وخاصة في الجزء الغربي من العالم حيث تم الترويج باطراد للتفكير التحليلي خلال العقود الماضية. تدريجياً أصبح الكثيرون يعتقدون أن البشر قد أحرزوا تقدما في عدم الاعتماد على التفكير البدائي والسحري والديني إلى التفكير التحليلي والعلمي. ونتيجة لذلك ينظرون إلى العواطف والحدس كأدوات خاطئة وحتى اعتباطية.
ومع ذلك يستند هذا الموقف على أسطورة التقدم المعرفي. في الواقع إن المشاعر ليست استجابات غبية تحتاج دائما إلى تجاهلها أو تصحيحها بواسطة القدرات العقلية. بل هي تقييم لكل ما سبق أن اختبرت أو فكرت به بهذا المعنى فهي شكل من أشكال معالجة المعلومات.
الحدس أو الإحساس الغريزي هو نتيجة للكثير من المعالجة التي تحدث في الدماغ. تشير الأبحاث إلى أن الدماغ هو جهاز تنبؤ كبير ويقارن باستمرار المعلومات الحسية الواردة والتجارب الحالية ضد الذكريات والتجارب السابقة والتنبؤ بما سيحدث لاحقًا. يصف العلماء هذه الحالة ب “إطار المعالجة التنبؤيه”.
هذا يضمن أن يكون الدماغ على استعداد دائم للتعامل مع الوضع الحالي على النحو الأمثل قدر الإمكان. عند حدوث عدم تطابق (شيء لم يكن متوقعًا)، فإن دماغك يقوم بتحديث نماذجه المعرفية.
هذه المطابقة بين النماذج (بناءً على الخبرة السابقة) والتجربة الحالية تحدث بشكل تلقائي ولاشعوري. يحدث الحدس عندما يقوم دماغك بمطابقة أو عدم مطابقة (بين النموذج المعرفي والتجربة الحالية) لكن هذا لم يصل بعد إلى وعيك الإدراكي.
على سبيل المثال قد تكون تقود سيارتك على طريق ريفي في الظلام تستمع لبعض الموسيقى عندما يأتيك فجأة حدس لتقوم بالانعطاف والقيادة لجانب اخر من الطريق. بعد مواصلة القيادة تلاحظ أنك قد قمت بعبور حفرة ضخمة كانت من الممكن أن تتسبب في الإضرار بسيارتك بشكل كبير. أنت الآن سعيد لأنك اعتمدت على الشعور الغريزي حتى لو كنت لا تعرف من أين جاء. في الواقع السيارة التي كانت أمامك قامت بانحراف مماثل (ولأنهم من السكان المحليين وعلى معرفة بالطريق) انت قمت بالتقاط هذه البيانات من دون وعي.
عندما يكون لديك الكثير من الخبرة في مجال معين فذلك يعني أن دماغك يحتوي على الكثير من المعلومات المتطابقة لهذا المجال. هذا يجعل من حدسك أكثر موثوقية. ذلك يعني أن حدسك ممكن أن يتحسن من خلال التجربة كما هو الحال مع الإبداع.
الفهم المتحيز
في الأدبيات النفسية غالبا ما يتم تفسير الحدس باعتباره أحد اثنان من الأساليب العامة للتفكير، جنبا إلى جنب مع التفكير التحليلي. التفكير البديهي يوصف على انه تلقائي، سريع ولاشعوري. بينما التفكير التحليلي من ناحية اخرى، بطيء، منطقي، واعي ومدروس.
يتخذ الكثيرون الفارق بين التفكير التحليلي والبديهي إلى أن نوعي المعالجة (أو “أنماط التفكير”) متضادان ويعملان بطريقة متعاكسة. ومع ذلك فقد أظهر تحليل تجميعي أخير – وهو عبارة عن تحليل حيث يتم قياس تأثير مجموعة من الدراسات – أن التفكيران التحليلي والبديهي غير مترابطان ويمكن أن يحدثان في نفس الوقت.
في حين من الصحيح أن أسلوبا واحدًا من التفكير يحتمل أن يكون مهيمناً على الآخر – على وجه الخصوص التفكير التحليلي – فإن الطبيعة اللاشعورية للتفكير البديهي تجعل من الصعب تحديد متى يحدث بالضبط لأن الكثير يحدث تحت غطاء الوعي لدينا.
بالواقع إن أسلوبين للتفكير هما في الواقع متكاملان وبإمكانهما العمل بشكل متناسق – فنحن نقوم بتوظيفهما معا بانتظام. حتى الأبحاث العلمية الرائد قد تبدأ بالمعرفة البديهية التي تمكن العلماء من صياغة أفكار والفرضيات مبتكرة والتي يمكن التحقق منها لاحقا من خلال الاختبارات والتحليلات الصارمة.
وأكثر من ذلك، في حين أن الحدس يُنظر إليه على أنه مهملا وغير دقيق فإن التفكير التحليلي قد يكون ضارًا أيضًا. أظهرت الدراسات أن الإفراط في التفكير يمكن أن يعيق عملية اتخاذ القرار بشكل خطير.
في حالات أخرى قد يتألف التفكير التحليلي ببساطة من تبرير أو ترشيد لاحق للقرارات القائمة على التفكير البديهي. يحدث هذا على سبيل المثال عندما يتعين علينا شرح قراراتنا في المعضلات الأخلاقية. هذا التأثير سمح لبعض الناس بالإشارة إلى التفكير التحليلي كما لو كان “السكرتير الصحفي” أو “المحامي الداخلي” للحدس. في كثير من الأحيان لا نعرف لماذا نتخذ القرارات ولكننا لا نزال نريد أن يكون لدينا أسباب لقراراتنا.
الثقة في الغرائز
هل ينبغي لنا الاعتماد على حدسنا فقط نظرا لأنه يساعدنا في اتخاذ القرارات؟ الأمر معقد جدا لأن الحدس يعتمد على معالجة تطورية تلقائية وسريعة، وقد يقع أيضًا فريسة لسوء التوجيه أو التضليل مثل التحيز المعرفي. هذه هي أخطاء منهجية في التفكير والتي يمكن أن تحدث تلقائيا. على الرغم من ذلك يمكن أن يساعدك التعرف على التحيزات المعرفية الشائعة في اكتشافها في مناسبات مستقبلية هناك نصائح جيدة حول كيفية القيام بذلك.
بالمثل، بما أن المعالجة السريعة يمكن أن تكون قديمة بعض الشيء. على سبيل المثال اعتبر أن أمامك صحن من الكعك المحلى. ستكون منجذب لأكل الصحن بالكامل، فمن المستبعد أن تكون بحاجة لهذه كمية كبيرة من السكريات والدهون. ومع ذلك، في وقت الصيد وجمع الثمار، كان تخزين الطاقة أمرًا حكيمًا.
بالتالي، في كل موقف ينطوي على قرار يستند إلى تقييمك، يجب أن تفكر فيما إذا كان الحدس الخاص بك قد قام بتقييم الموقف بشكل صحيح. هل هي حالة تطورية قديمة أم جديدة؟ هل ينطوي على التحيز المعرفي؟ هل لديك تجربة أو خبرة في هذا النوع من المواقف؟ إذا كانت تطورية قديمة أو تنطوي على تحيز معرفي وليس لديك فيها خبرة، إذا تعتمد على التفكير التحليلي. أن لم تكن كذلك فلا تتردد في الثقة في التفكير البديهي.
لقد حان الوقت لوقف حملة التشهير بالحدس، ورؤيته على حقيقتها كأسلوب معالجة سريع، تلقائي، لا شعوري، يمكنه أن يزودنا بمعلومات مفيدة للغاية لا يمكن للتحليل المدروس أن يقدمها. نحن بحاجة إلى قبول أن التفكير الحدسي والتحليلي يجب أن يحدثا معًا ويتم ترجيح أحدهما على الأخر في حالات اتخاذ القرار الصعبة.
المصدر: هنا