كتبه لموقع “ذي ايكونوميست”: سمية كينس
نشر بتاريخ :26/6/2017
ترجمة: مها علي
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
عندما يختار صديقٌ ما أن يواعد شخصًا في سن كبير بما يكفي ليكون في عمر والديه فغالبًا ما يكون أول رد فعل لنا هو التحقق ما إذا نجح هذا القرار في اجتياز اختبار “عمر الشخص الأصغر يساوي نصف عمر الأكبر زائد سبع سنوات”. لقد توارثت الأجيال هذه القاعدة التي لا زال يلف الغموض مصدرها كوسيلة لتبرير الارتباطات العاطفية لبعض الناس أو للسخرية منها و هذا هو الأكثر شيوعاً. فمن المقبول بالنسبة لشخص يبلغ الإثنين وعشرين سنة في أن يواعد شخصًا في ربيعه الثامن عشر، ولكن الأمر يصبح غير ملائمًا إذا حدث بين شخصين يبلغ أحدهما الثمانيةَ والثلاثين والآخر الثالثة و العشرين، غير أن الأمر يعتبر مقبولاً إذا كان الأخير يبلغ السادسة والعشرين. وكلما كبرت في السن كلما زاد فارق العمر المسموح به، فمن الممكن لشخص في الخمسين أن يغامر و يرتبط بشخص يناهز عمره السادسة و الثمانين.
كان ذلك من الناحية النظرية ، أما من الناحية العملية فسنجد من خلال البحث الذي أجراه “كريستيان رادر” ،أحد مؤسسي موقع المواعدة “أوكي كيوبيد”، أن للرجال و النساء أفكارًا مختلفة قليلا ًعن بعضهم عندما يتعلق الأمر بالفوارق السنية في العلاقات العاطفية. فبينما تبحث السيدات المستخدمات للموقع عن رجالٍ في نفس أعمارهن تقريباً ( أو ربما يكبرونهن بسنة أو سنتين)، نجد أن الرجال، و بغض النظر عن أعمارهم، يفضلون النساء اللاتي يكن في مطلع العشرينيات. وبينما تفضل السيدات فارقاً عمرياً ضئيلاً نجد أن الرجال متعلقون جدا بفكرة الحصول على شريكة شابة حيث أنهم كلما كبروا بالسن كلما فضلوا فارقاً عمرياً أكبر .
فهل يبحث الرجال عن الشريك بطريقة حكيمة؟ هناك الكثير من الأسباب التي تدفع إلى تفضيل فارق سن ضئيل من الناحية النظرية، فإمكانية أن يغني الشريكان شارة موسيقية لبرنامج تلفزيوني أحبوه أيام طفولتهم قد تعمل على توطيد علاقتهم، رغم احتمال إزعاجهم لمن هم في الجوار بغنائهم. كما أن تقاسم فرحة الحصول على تذكرة حافلة مجانية معاً أو متعة توفير المال من خلال دمج حفلتي عيد ميلادهما الكبيرتين يجعل من فكرة الفارق العمري الصغير أمراً جذاباً للغاية.
تساءل بعض خبراء الاقتصاد عن ما إذا كان بإمكان فارق السن الصغير بين الشريكين أن يحقق فوائد مجتمعية أكبر من خلال تقليص الفجوة بين دخل الرجل و دخل المرأة، بما أن معدل الدخل يرتفع بارتفاع معدل السن و ميل النساء للارتباط برجال يكبرونهن سناً، نجد أن ذلك يتسبب في وجود اختلاف نسبي بين دخل الشريكين و خصوصا في فترة إنجاب الأطفال مما يضع ضغطاً تدريجياً على المرأة و يدفعها لترك عملها في النهاية. وبالرغم مما سبق ذكره فقد وجدت إحدى الدراسات التي قارنت بين مجموعة من الأخوات التوائم في الدنمارك أنه لا يوجد اختلاف يذكر بين مستوى دخل السيدات اللاتي تزوجن رجالاً يكبرونهن كثيراً بالسن و نظيراتهن اللاتي تزوجن رجالاً أقرب إليهن سناً.
هل من الممكن أن يزيد فارق سن أصغر من احتمال بقاء الشريكين معاً؟
زعمت مجلة “ذي أتلانتيك” في مقال نشر سنة 2014 أن: ” فارق سن خمس سنوات يزيد من احتمال طلاق الشريكين بنسبة 18% مقارنة بشريكين ولدا في أو حوالي نفس السنة”. رغم أن الدراسة المذكورة _ التي استطلعت أراء متزوجين و آخرين كانوا متزوجين سابقاً من أمريكا_ أظهرت وجود ارتباط بين فارق السن بين الأزواج و معدلات الطلاق إلا أنها لم تثبت وجود علاقة سببية بهذا الخصوص. فمن المحتمل أن طبيعة الشخص الذي يقدم على زواج يكون فيه فارق السن كبيراً مع الشريك هو ما يؤدي إلى معدلات الطلاق العالية وليس الفارق السني بعينه. كما ينبغي على الرجال الذين بلغوا منتصف العمر و بدأ وقار الشيب يزين شعر رؤوسهم أن يشعروا بالاطمئنان إزاء النتائج التي توصلت إليها دراسة أجراها مركز بريطانيا للإحصاءات الوطنية حيث لم تتمكن هذه الدراسة من إثبات علاقة قوية بين فارق السن و معدلات الطلاق في إنجلترا و ويلز و لكنها وجدت بعض المؤشرات على زيادة احتمال طلاق السيدات اللائي يتزوجن في عمر يتجاوز الثلاثين من شريك يصغرهن بأكثر من عشر سنوات .
من المنطقي أن يكون لفارق السن الكبير تداعيات عند المراحل المتقدمة من العمر حيث يكون الإنسان في هذه المرحلة بحاجة إلى شريك يعتني به و يجنبه وحشة الترمل، و لذلك فإن اختيار شريك أكثر شبابا و صحة يعد أمرا معقولا على الأقل بالنسبة للطرف الأكبر سنا في العلاقة. من جهة أخرى، قام الباحث “سفين دريفال” من جامعة ستوكهولم بإجراء دراسة أخرى على عينة من الرجال و النساء تتجاوز أعمارهم 50 عاماً في الدنمارك و وجد أن الرجال المتزوجين من نساء أكثر شباباً يعيشون لوقت أطول من نظرائهم المتزوجين من نساء في نفس أعمارهم، فكلما زاد سن الزوجة كلما قلت فرص عيش الرجل لوقت أطول حتى بعد الأخذ في عين الاعتبار العوامل المؤثرة الأخرى مثل مستوى التعليم و الثراء . و لكن لا يمكننا الجزم هنا مرة أخرى بأن هذا الرابط يشكل علاقة سببية حيث من الممكن أن يكون للرجال الذين يتمتعون بصحة جيدة القدرة على اجتذاب نساء أكثر شباباً و العيش لسن متقدم جداً. ولكن ما يثير الاستغراب في هذه الدراسة هو أن هذه الظاهرة لا يبدو أنها تنطبق على النساء، فكلما زاد فارق السن عن أزواجهن كلما قلت فرص عيشهن لمدة أطول سواء كنُّ في سن أصغر أو أكبر من الزوج. ففي حالة النساء المتزوجات من رجال أصغر سنا يزعم “دريفال” بأن الفارق بين الجنسين يرجع لكون النساء أقل اعتماداً على الشريك و لذلك لا يستفدن كثيراً من طاقة أزواجهن الأكثر شباباً.
تعد المؤشرات التي توصلت إليها الدراسة بالتالي تأكيداً على اختيارات مستخدمي موقع ” أوكي كيوبيد ” حيث يتوجب على النساء اختيار رجال أقرب إلى أعمارهن بأكبر قدر ممكن بينما يتوجب على الرجال البحث عن نساء أصغر سناً منهم. مع ذلك، فإن الخبير الاقتصادي الحقيقي سيسعى لإيجاد دلائل أقوى لتحليل الأمر و قد يكون ذلك من خلال مقارنة العلاقة بين السعادة الزوجية و فارق السن بين الزوجين لعينات عشوائية من المتزوجين، ولكن و لسوء حظهم و حسن حظنا يبقى أولئك الأشخاص أحراراً في اتخاذ قراراتهم كما لهم الحرية في تجاهل القواعد و الأعراف العامة السخيفة.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا