كتبه لموقع “أور ورلد إن داتا”: ماكس روزر
منشور بتاريخ :27/7/2018
ترجمة: مها علي
مراجعة أو تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
نهدف في مؤسسة “آور وورلد إن داتا” إلى الجمع بين المعطيات التجريبية والبحث لكي نعرض كيفية تغير الظروف المعيشية حول العالم، فهل يعتبر هذا الأمر ضروريًا؟
تقدم لنا منظمة “إيبسوس موري” المتخصصة في استطلاعات الرأي الإجابة على هذا السؤال من خلال دراسة استقصائية مفصلة أجرتها على 26489 شخصًا حول 28 بلدًا مختلفًا.
يعتقد معظم الناس أن مستويات الفقر عبر العالم في تزايد في حين أن عكس ذلك هو ما يحدث في واقع الأمر
يوضح الرسم البياني الأول كيف أجاب الأشخاص الذين استطلعت آرائهم على السؤال التالي: “خلال العشرين سنة الأخيرة، هل زادت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر شديد أم قلت أم بقيت كما هي؟”
يعتقد أغلبية الناس (52%) أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع حول العالم في تزايد غير أن عكس ذلك هو ما يحدث في واقع الأمر، حيث أن هذه النسبة استمرت بالانخفاض على مدى قرنين، وكان هذا التطور الإيجابي أسرع من أي وقت مضى خلال العشرين سنة الأخيرة، (راجع موقعنا حول مستوى الفقر عبر العالم)؛ فيما يخص عصرنا الحديث ستجد بأنه لا يهم أي مستوى خط فقر ستختار لأن نسبة الأشخاص تحت أي خط فقر من تلك الخطوط انخفضت (انظر هنا).
هناك بعض الأشخاص الذين أجابوا بشكل صحيح على هذا السؤال حيث أن شخصا من بين كل خمسة أشخاص يعلم أن معدل الفقر في تراجع، ولكن المثير للاهتمام هو أن نسبة الأجوبة الصحيحة تختلف بشكل كبير من بلد لآخر، فإذا ما نظرنا إلى المخطط البياني ،حيث الدول المحددة بعلامة نجمة هي إما الدول ذات الدخل المنخفض أو ذات الدخل المتوسط الأدنى خلال الجيل الماضي (1990)، سنجد أنه في هذه البلدان الأكثر فقرًا هناك عددٌ أكبر من الأشخاص الذين يدركون كيف تغير مستوى الفقر عبر العالم، بينما سنجد على الجانب الآخر أن الأشخاص الذين يعيشون في البلدان الأكثر ثراء والتي تخلص أغلبية السكان فيها من الفقر المدقع منذ بضعة أجيال لديهم تصور خاطئ جدًا حول ما يحدث بخصوص مستويات الفقر عبر العالم.
لا يعلم معظم الناس أن معدل وفيات الأطفال آخذ في الانخفاض في الدول الفقيرة
لم نكن مخطئين فقط بشأن معدلات الفقر عبر العالم، إذ سُئل الناس في نفس الدراسة الاستقصائية: “خلال العشرين سنة الأخيرة، هل زاد معدل وفيات الأطفال في المناطق النامية أم قلّ أم بقي على حاله؟”
يتضح هنا أيضًا من خلال البيانات أن معدل وفيات الأطفال انخفض إلى النصف في كل من البلدان السائرة في طريق النمو، وتلك الأقل نموًا خلال العشرين سنة الأخيرة.
يوضح الاستبيان مرة أخرى أن معظم الناس غير مدركين لهذه الحقيقة حيث أن في المتوسط، %39 منهم فقط على علم بأن معدل وفيات الأطفال في تراجع، فهل يوجد إنجاز حققته البشرية في أي وقت مضى أعظم من زيادة احتمالات نجاة الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم، والتي يكونون أكثر عرضة للخطر فيها وكذلك تجنيب الآباء الحزن على فقدان فلذات أكبادهم؟ لا شك أن هذا واحد من أعظم إنجازات البشرية.
وكما هو الحال بالنسبة لمدى معرفة الناس بمستوى الفقر المدقع عبر العالم، فإن نسبة أولئك الذين لا يعلمون شيئًا عن الأمر أعلى بكثير في البلدان الغنية؛ فهل هنالك حاجة لعملنا في مؤسسة “آور وورلد إن داتا”؟ تبين هذه الدراسة الاستقصائية أن القليل من السنغاليين أو الكينيين سيتعلمون شيئًا جديدًا بهذا الخصوص، لكن إذا ما كان لديك بعض الأصدقاء في الولايات المتحدة أو اليابان، فمن المرجح أنك ستساعدهم إذا نشرت عملنا.
فيما يهم ذلك؟
1- تعزز التصورات الخاطئة حول قضايا أو توجهات معينة من الاستياء العام إزاء الكيفية التي يتغير بها العالم
يعمل الجهل المتفشي حول هذه التغيرات المهمة جدًا التي تحدث في العالم على تغذية شعور عام بالاستياء إزاء الكيفية التي يتغير بها العالم، فعندما طرحت شركة (يو جوف) في استبيان آخر السؤال ذي الطابع العام التالي: “إذا ما أُخذت جميع الأمور في الحسبان، هل ترى أن العالم يتجه نحو الأفضل أم الأسوأ؟” فإن عددًا قليلًا جدًا من المشاركين فقط من أدلى برد إيجابي حيث أن %3 فقط من المجيبين في فرنسا وأستراليا يعتقدون أن العالم يتحسن، ونرى هنا مرة أخرى أن نسبة الأشخاص الذين أعطوا ردًا إيجابيًا أعلى بكثير في الدول الأكثر فقرًا.
2- تكشف التصورات الخاطئة فشل وسائلنا الإعلامية ونظمنا التعليمية
ما الذي يجب أن نفعله حيال حقيقة أن الكثير منا يتصور أن العالم في حالة ركود، بل في حالة تراجع من حيث الصحة أو الفقر على مستوى العالم، بينما نحن في حقيقة الأمر بصدد تحقيق التحسن الأكثر سرعة في تاريخنا في ما يتعلق بهذين الجانبين على وجه الخصوص؟
أولًا، إنه أمر محزن ببساطة، إذ يعني هذا بأننا نفكر بشكل أسوأ مما يجب تجاه العالم وبأننا نفكر بشكل سلبي أكثر مما يجب تجاه العصر الذي نعيش فيه، وكذلك إزاء ما يحققه الناس في الوقت الراهن من إنجازات حول العالم.
ثانيًا، من الواضح أن أدائنا سيء جدًا في فهم وإيصال ما يحدث في العالم وخصوصا في الدول الغنية، حيث تخفق النظم التعليمية ووسائل الإعلام في نقل صورة دقيقة عن الكيفية التي يتغير بها العالم، وهو من أهم الأمور التي يفترض بهذه الجهات تحقيقها.
3- نحن لا نملك موقفا سلبيًا إزاء الماضي فقط بل إننا متشائمون إزاء المستقبل كذلك
إن تصورنا عن الكيفية التي يتغير بها العالم يؤثر بشكل كبير على إيماننا بما يمكن إنجازه في المستقبل.
إذا ما سألنا الناس عما يمكن عمله في المستقبل فإن جواب غالبيتهم سيكون “ليس الكثير”؛ يوثق الرسم البياني أدناه أجوبة الاستبيان الخاصة بالسؤال التالي: “هل تعتقد أن أحوال الناس المعيشية حول العالم ستتجه نحو الأفضل أم الأسوأ على مدار الخمسة عشر سنة القادمة؟” سنجد أن أكثر من نصف المجيبين يتوقعون ركودًا، أو أن الأمور ستؤول إلى ما هو أسوأ، لكن ولحسن الحظ، سنجد أن الناس الذين يعيشون في الأماكن التي تعاني حاليًا من أسوأ الظروف المعيشية، هم أكثر تفاؤلًا بما يمكن تحقيقه في السنوات المقبلة.
عمومًا، فإن الاستنتاجات التي أسفرت عنها الدراسات الاستقصائية واضحة، إذ أننا لا نعتقد فقط بأن العالم في حالة ركود أو تراجع، ولكننا نتوقع كذلك بأن هذا الانطباع عن الركود أو التراجع سيستمر في المستقبل.
يعد هذا التشاؤم بخصوص ما يمكن تحقيقه للعالم في المستقبل مهمًا من الناحية السياسية، حيث أن أولئك الذين لا يتوقعون أن الأمور ستصبح أفضل في المقام الأول سيكونون أقل ميلًا نحو المطالبة باتخاذ الإجراءات والمبادرات التي من شأنها تحقيق تطورات إيجابية، بينما سيرغب القلة المتفائلون على الجانب الآخر في رؤية التغيرات اللازمة لتحقيق التحسينات التي يتوقعونها.
لا تدع المعرفة بما حققناه من إنجازات مجالاً للتشاؤم
تشير الدراسة الاستقصائية في النهاية إلى وجود رابط بين انطباعاتنا حول الماضي وآمالنا في المستقبل، حيث يبيّن الرسم البياني أدناه أن درجة التفاؤل حول المستقبل تختلف بشكل كبير باختلاف مستوى معرفة الناس بمستويات التطور حول العالم.
نلاحظ أن أولئك الذين كانوا أكثر تشاؤمًا حول المستقبل يمتلكون أقل قدر من المعرفة الأساسية عن الكيفية التي تغير بها العالم، إذ إن 17% فقط ممن لم يستطيعوا أن يعطوا جوابًا واحدًا صحيحًا عن أسئلة الاستبيان، يتوقعون أن العالم سيصبح أفضل في المستقبل، بينما في الطرف المقابل فإن أولئك الذين لديهم معرفة جيدة للغاية حول كيفية تغير العالم كانوا الأكثر تفاؤلًا إزاء التغييرات التي يمكن أن نحققها في الخمسة عشر سنة القادمة.
هناك إذن علاقة ترابط كما نعلم، ولكن هذا الترابط لا يعبر بالضرورة عن علاقة سببية، ولفهم ما إذا كان هنالك علاقة سببية أم لا سنحتاج أن نعرف ما إذا كان التصور الأدق عن كيفية تغير العالم يغير من اعتقاد الناس بخصوص ما سيحدث في المستقبل؛ لسوء الحظ، أنا لست على دراية إذا كان هنالك دراسة قد بحثت في هذا السؤال.
لا يمكن لأحد بالطبع أن يعلم كيف سيصبح المستقبل، ولا يوجد ما يؤكد أن التقدم الذي أحرزناه في العقود الأخيرة سيظل مستمرًا كما إنه ليس ضروريًا، وأن كل شخص متشائم بخصوص مستوى التطور عبر العالم يفتقر إلى المعلومات الصحيحة، ولكن ما نستنتجه حقًا من هذه الدراسات الاستقصائية، هو أن وجهتي النظر الآتيتين مرتبطتان ببعضهما البعض: من المحتمل الأكثر أن أولئك المتشائمون هم من لديهم فهم قليل جدًا لما يحدث في العالم.
من الواضح أن السؤال التالي سيكون: ما الذي يجعل الأشخاص الأكثر معرفة أكثر تفاؤلًا بالمستقبل؟
كما تبين لنا فإنه عندما يكون لدينا تصور خاطئ حول مستوى النمو في العالم، فهذا يعني أننا سنكون في غالب الأحيان سلبيين جدًا في نظرتنا للتغير الذي يجري في العالم، كما أن إجابتنا عن تلك الأسئلة بطريقة خاطئة يعني أننا نملك نظرة تشاؤمية نحو العالم؛ ما تعنيه التشاؤمية هو أنه لا يمكننا القيام بشيء لتحسين أوضاعنا، وأن كل مجهود سيبذل لتحقيق ذلك مآله الفشل، حيث يرى المتشائمون أن تاريخنا هو تاريخ مليء بالإخفاقات، ولا يمكننا أن نتوقع أن يكون المستقبل مختلف عن ذلك في شيء.
على النقيض من ذلك، فإن إعطائنا لإجابات صحيحة عن تلك الأسئلة يعني إدراكنا بأن الأمور يمكن أن تتغير، حيث أن التوصل إلى فهم دقيق لمدى تحسن مستويات الصحة والفقر في العالم لا يترك مجالا للتشاؤم، يمكن للمتفائلين بالمستقبل أن يبنوا نظرتهم على أساس معرفتهم بإمكانية تغيير العالم للأفضل لأنهم يعلمون أن العالم قد حقق ذلك من قبل.
رسم بياني إضافي:
قمت بعمل ملخص عن الرسوم المبينة أعلاه وقمت بنشره هنا في حال وجدته مفيدًا.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا