كتبه لجريدة نيويورك تايمز: ديفيد بيليوديك
بتاريخ 29 ديسمبر 2017
عن كتاب: “ورثة الأرض: كيف تناضل الطبيعة في عصر الانقراض”
بقلم: كريس د. توماس
ترجمة: رشا الخطيب
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: حسام زيدان
[spacer height=”20px”]
منذ رحيل البشر من إفريقيا منذ عشرات آلاف السنين، اكتسبت الحيوانات البرية الضخمة في كافة أنحاء العالم عادة غامضة؛ ألا وهي الانقراض؛ الكنغر العملاق والماموث الصوفي وأخدودي الأسنان من أمثلة تلك الحيوانات، وكما يصوغها ألفريد راسل، نحن نعيش في عالم يفتقر للحيوانات “الأضخم والأعنف والأغرب”، ولا عجب أن الفصائل الغازية (الدخيلة) تُعدّ تهديداً كبيراً للحياة البرية، ولا شيء يُشكّل خطراً أكثر من الفصيلة الدخيلة على ست من أصل سبع قارات: نحن.
بالتالي يُعرّف عالم الأحياء المحافظ كريس توماس “اليأس البيئي” سابقاً في كتابه الجديد المثير للجدل “ورثة الأرض: كيف تناضل الطبيعة في عصر الانقراض”، وكتب “الانقراض الجماعي على قدمٍ وساق وتكهنات المستقبل تبدو مخيفة، ولهذه الأسباب، فقد تمادينا في وصف أنفسنا بآفة الأرض وبأننا تجاوزنا حدود تحمل كوكبنا”، ولا يهدف توماس لزيادة هذا اليأس بل إنه يقوم بمناقشة قضية تُعدّ محرمة في نظر البعض: تأثير البشر على الكوكب لم يكن أبداً كارثياً.
بعبارة أخرى، وكما يشرح الكتاب ببعض التفصيل فإن الطبيعة أكثر تعقيداً من هذا، حيث أسهم انتشار البشر عبر العالم وبناءهم لشبكات تجارية عالمية في توحيد القارات فيما يشبه قارةً ضخمةً افتراضية، دامجين النباتات والحيوانات والميكروبات والفطريات بصورة لم نشهدها منذ بانجا (القارة العملاقة) منذ أكثر من 200 مليون عاماً. وقد حولت تعديلات البشر على الكوكب -مثل تحويل معظم مروج العالم إلى مراعي ومحاصيل– البيئة التي تنمو فيها الفصائل الأخرى أو تموت، وكنتيجة لذلك، بعض النباتات والحيوانات والميكروبات والفطريات تفوز والأخرى تخسر.
انظر لعصفور الدوري؛ هذا الطائر قد انتشر من السهب الأسيوي إلى كافة أنحاء العالم بفضل المزارع والمدن التي صنعها البشر والشبيهة بموطنه الأصلي، فضلاً عن الدور الذي تلعبه الطبيعة الفريدة للبشر؛ في الحقيقة، إن رجلاً واحداً فقط نعرفه باسم “إيجوين شيفلن” هو المسئول عن أول إطلاق لملايين من عصافير الدوري في شمال أمريكا، وأيضاً بسبب ذكر الطائر المهاجر في مسرحيات شكسبير في المقام الأول، ويُقدّر عدد هذه الطيور حول العالم الآن بنحو نصف مليار طائر وهم ينقسمون إلى أنواع مستقلة.
[spacer height=”20px”]
الكتاب زاخر بمثل هذه القصص المحببة، والعديد منها من حياة توماس الغنية بالمغامرات الطبيعية سواء في البحث عن الدوري في إيطاليا أو مواجهة الأفيال القزمة في بورنيو. وبالرغم من التباهِ القليل الموجود بالكتابة -بالنسبة لعالِم- فإن النثر واضح على نحو رائع وإن كان مكرراً في بعض الأحيان.
والتكرار هنا يخدم غرضاً لتوماس، وهو يقوم ببناء قضية وليس رواية قصة؛ إنه يجادل أن فصائل جديدة تظهر وتتطور بدرجة أسرع من انقراض الأنواع القديمة بأنحاء العالم، ففي إقليم المحيط الأطلسي في البرازيل على سبيل المثال، فُقِد نوع من الطيور يطلق عليه اسم “قراز ألاغواس” ولكن في المقابل احتفظنا بنوعين آخرين: (بلشون القطعان) و(نقار الماشية). هناك أنواع أكثر من النباتات والحيوانات بالمنطقة الاستوائية وبالتالي أنواع أكثر تفضل الطقس الحار عن البارد وهذا بدوره ما قد يجعل الاحتباس الحراري جيداً لتلك النباتات والحيوانات. وكتب توماس “عُد بعد مليون عاماً– وعن طريق إطلاق التنوع البيولوجي دافئ الطقس على بقية الكوكب- وقد ننظر حينها إلى ملايين الأنواع الإضافية التي يرجع وجودها لأنشطة البشر”.
إنه المنشأ السادس وليس الانقراض السادس.
تأثير البشر على مسيرة التطور واضح فالكثير من الفصائل منحدرة من طيور الدوري والفئران وشجر الكافور. يعرض توماس أربع قواعد لكيفية تعاملنا مع هذا العالم الجديد الشجاع الذي أطلق عليه اسم “حديقة الأنثروبوسين”: تقبل التغيير، والحفاظ على المرونة (ربما بمبادلة نوع بأخر)، والاعتراف بأنفسنا كقوة طبيعية، والعيش في حدود إمكانياتنا.
تبدو القاعدة الأخيرة أكبر تحدٍ يمكن أن نخوضه حالياً في نظر القارئ، ففكرة “دفاع الطبيعة عن نفسها” تبدو جيدة، لكن الحقيقة أن حياة الأرض تنتعش فقط عندما نخفف الضغط عنها وندعها وشأنها؛ في الواقع، دفاعها سيكون أسلوباً مشروعاً لوصف الحالة الراهنة للبيئة، فقط في حالة وجود صياد جديد يستهدف البشر أو ربما فيروس يُخفي سلالتنا من الأنظار.
ينقل توماس قليلاً من عجائب الطبيعة مثل التطور الخارق لحاسة سمع الذباب، ما يُمكِّنها من معرفة ما يترصد بها وكذلك من معرفة وجود الصراصير. ليس هناك سوى اعتراف ضئيل أن هذه القوة الخارقة قد تختفي دون أن نعرف ذلك مثلما تتلاشي الفصائل الخاسرة أو تتعلم الصراصير أن تظل صامتة، أما عن الفصيلة المنقرضة مثل الأوك العظيم (البطريق الشمالي) فهي حالة استثنائية.
يقلل توماس من شأن النظام البيئي الذي يغطي حوالي 70% من سطح الأرض -المحيط– إلى إشارات سطحية قليلة، فالقدرة على التكيف التي حددّ مكانها على الأرض قد يكون من الصعب العثور عليها، وذلك بفضل تأثير البشر، مثل تقليل كمية الأوكسجين في الماء أو درجة الحموضة العالية فيه؛ وعندما يتعلق الأمر بالمحيطات فقد لا يكون لدينا المعرفة الكفاية لمعرفة ما لا نعرفه أو ما فقدناه بالفعل.
وحتى توماس نفسه يعترف بأن العدد الإجمالي للفصائل على وجه الأرض يتناقص، وكما حسبها عالم البيئة أنتوني (بارنوسكي) فإننا تسببنا بالفعل في انقراض ما يزيد عن 1000 نوع، بالإضافة إلى 20.000 نوع أو ما يزيد في قائمة الانتظار.
[spacer height=”20px”]
ويتساءل توماس “من سيتذكر بعد مائة عام من الآن انقراض آخر فرد من فصيلة (رابس) ضفدع الشجر يوم 26 سبتمبر 2016؟” ويضيف ” آمل أن هذا الكتاب قد يساعد، نحن نتذكر (مارثا)، آخر حمامة زاجلة، أو سيسل الأسد، وجورج الوحيد، آخر سلحفاة على جزيرة بنتا. يجب أن نحافظ على أكبر عدد ممكن من الفصائل والمواطن المختلفة على هذه “السفينة العالمية”، ولنفترض أن بعض الفصائل النادرة الموجودة اليوم قد تكون ذات قيمة لنا بالمستقبل – بالرغم من أننا لا نعرف أيهم كذلك بعد”؛ وهذا بالتأكيد يُشجّع على فكرة الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن بالقرب منا مثلما يدعو الاب الروحي لعلم البيئة (ألدو ليوبولد): “لو أن الكائنات الحية قد أقامت على مدار الأعوام شيئاً نحبه لكن لا نفهمه، إذاُ فمن الأحمق الذي سيتخلص من الأجزاء التي تبدو عديمة الفائدة؟ الاحتفاظ بكل ترس و إطار من أولى احتياطات الحرفية الذكية”.
في المقابل نحن منشغلون بصنع عالم متجانس؛ تنوع النباتات والحيوانات المستبدلة بــ 22 مليار دجاجة و 1.5 مليار من الماشية ومليار لكل من الماعز والخنازير، وخليط من الفصائل حددها الـ 7.5 مليار إنسان على الكوكب؛ لو كان مقدراً لتلك الحيوانات أن تختفي، فسنتغذى على الحيوانات الكبيرة المتبقية في غضون شهر.
[spacer height=”20px”]
اهتمام الانسان هو ما يحدد كل شيء على الأرض الآن. وصول حيوان ما بمكان معين من مئات أو آلاف السنين يعتبر جيداً بالنسبة لنا، بينما نوع آخر مهاجر حديثاً مثل الثومية المعنّقة يسبب الذعر والحملات المشددة لاستئصال هذا النوع الدخيل. الحنين إلى الماضي خطير لأن البشر يَقتلون للاحتفاظ أو لإعادة ماضٍ ليس محبب تذكره لكنه طبيعي أكثر، ونحن نحتقر الفصائل الجديدة مثلما نحتقر الأعشاب الضارة. حديقة (الأنثروبوسين) عالم غريب حقاً، حيث يطير البشر بكافة الأرجاء لرؤية حيوانات أو نباتات نادرة أو عددها في تناقص، باعثين غازات الاحتباس الحراري التي قد تتسبب في انقراض تلك الحيوانات والنباتات؛ ويشير توماس أن 10% من فصائل الأرض تقريباً قد تنقرض بسبب تغير المناخ، فنحن نختار الفائزين وننقذ الخاسرين وربما يوماً ما قد نصنع التغيرات الجينية التي تحول الخاسرين إلى فائزين، ويقترح توماس قائلاً “ربما نحن بحاجة إلى أن نجنّ حقاً ونطلق سراح حيوانات الكنغر بكل مكان في العالم”.
قد يبدو هذا كثيراً، لكن الإصابة باليأس أصبحت سهلة للغاية في هذه الآونة. حيوان النخس (الدولفين الذي يعيش بخليج كاليفورنيا) على وشك الانقراض وقد تناقص عدده إلى ما يقرب من 30 فرد بوقت كتابة هذا المقال، ومع ذلك فقد درب البشر الدلافين للأغراض العسكرية بحيث يمكن استخدامها اليوم للعناية بدلافين النخس بالمحميات حيث يستطيع البشر العمل جاهدين من أجل إنقاذهم مثلما فعلوا مع كندور كاليفورنيا أو ابن مقرض أسود القدمين. لقد حدث تحول ثقافي بعيداً عن قتل الحيوانات من أجل الترفيه أو من أجل أكلها أو للحصول على فروها، إلى محاولة إنقاذ حياتها. لم يفت الأوان بعد، ويمكننا اليوم إنقاذ الغالبية العظمى من الفصائل على الكوكب فما زال لدينا خيار تغيير العالم في النهاية.
المصدر هنا