الرئيسية / برمجة وذكاء إصطناعي / هل يمكننا الخلود بـتحميل أذهاننا على أجهزة الحاسوب؟

هل يمكننا الخلود بـتحميل أذهاننا على أجهزة الحاسوب؟

إذا قمتَ بتحميل ذهنك على جهاز حاسوب،
فهل ضمنْـتَ لـنفسك الخلود، أم أنك أصبحتَ مجرّد روبوت عديم الإحساس؟

منشور بتاريخ: August 12, 2017
بقلم: فرانسيسكا مينيرفا وآدريان رورهايم

ترجمة: مناف الفائز
تدقيق: عمر أكرم المهدي
تصميم: إبراهيم الساكني

 
إن لتقنية الخلود الكثير من التبعات الأخلاقية. (صورة AP / كوجي ساساهارا)
إن لتقنية الخلود الكثير من التبعات الأخلاقية. (صورة AP / كوجي ساساهارا)
 
لقد أصبحت فكرة الخلود فكرةً علمانيةً متحرّرةً من قيود الدِّين. فبعد أن تم فصلها عن ارتباطها بعوالم الآلهة والملائكة، فهي الآن موضوع الاستثمار الجادّ – الفكري والمالي – من قبل الفلاسفة والعلماء وباحثو وادي السيليكون. لقد تم أصلًا اختيار المئات من الأشخاص لكي يتم «الحفاظ عليهم تشفيرياً» بدلًا من مجرّد الموت ببساطة، حيث أنهم ينتظرون ما يُمكن أن يقدمه لهم العلم لتعويضهم عمّا فاتهم ولإعطائهم فرصةً ثانيةً في الحياة. ولكن إذا ما اعتبرنا الموت على أنه مشكلة، فما هي التبعات الأخلاقية لطرح «الحلول» شديدة التكهّن والتخمين؟
 
بالطبع، ليست لدينا وسائل تحقيق الخلود البشري، وليس واضحًا أيضًا بـأننا سـنمتلك مثل هذه الوسائل بأي يوم من الأيام. إلا أن الخيارين الافتراضيين اللذين اجتذبا لحد الآن أكبر قدر من الانتباه والاهتمام هما: تقنية إعادة الشباب، والتحميل الذهني.
 
كـنافورة شباب مستقبلية، تعدّ تقنية إعادة الشباب بـإزالة وعكس ضرر الشيخوخة الحاصل على مستوى الخلية. يرى أخصائيو الشيخوخة مثل آوبري دي غرَي بـأن الشيخوخة هي مرض بـإمكاننا إيقافه من خلال استبدال خلايانا أو إصلاحها بفترات زمنية منتظمة. ومن الناحية العملية، فقد يعني هذا الأمر أنه بكل عدّة سنوات، سوف يتعيّن عليك أن تذهب لزيارة عيادة لإعادة الشباب. لن يقوم الأطباء فقط بـإزالة الخلايا المصابة أو السرطانية أو بخلاف ذلك الخلايا غير الصحية فحسب، بل أنهم سـيعملون أيضًا على تحفيز الخلايا الصحية على التجدّد بشكل أكثر فعاليةً وإزالة منتجات النفايات المتراكمة. إن هذا التحوّل العميق هو من شأنه «أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء» على جسدك، الأمر الذي سـيجعلك أصغر من الناحية الفسيولوجية من عمرك الحقيقي. إلّا أنك سـتبقى معرّضًا للموت بفعل الأحداث المأساوية المحتملة، المتعمدة أو غير المتعمدة، كالوفاة بفعل الإصابة والتسمم، كما كان الحال لديك سابقًا.
 
تبدو عملية إعادة الشباب على أنها حلٌ منخفض الخطورة بشكل كبير، حيث أنها تجدد وتحسّن بشكل أساسي من المقدرة المتأصلة لـجسدك على الاعتناء بنفسه. ولكن إذا كنتَ تريد حياة أبدية في جسم بيولوجي، فيجب أن تكون بالتأكيد حياة آمنة جدًّا لأقصى الحدود. سوف يتوجب عليك أن تتجنّب أي خطر للأذى الجسدي لكي تضمن لـنفسك الخلود الأبدي، وهو ما سـيعجلك من أكثر الناس قلقاً في التاريخ.
 
أما الخيار الآخر، فسيكون هو التحميل الذهني، والذي يتم فيه إجراء مسح رقمي على دماغك ومن ثم تحميله على جهاز حاسوب. تفترض هذه الطريقة مسبقًا بأن الوعي الذهني مماثل لتشغيل برنامج حاسوبي على نوع معين من القرص الصلب العضوي – وهو ما يجعلك بالنهاية عبارة عن المحصلة الكلية للمعلومات المخزّنة في عمليات الدماغ، وبـالتالي، سيكون من الممكن أن تأخذ نسخة من ذهنك إلى منصة أو مادة فعلية (ملموسة) مختلفة. يبقى هذا الأمر موقفًا مثيرًا للجدل بشكل كبير. ولكن، فـلندع الآن مسألة أين “أنت” تعيش فعلًا، ولنعبث بفكرة أنه قد يكون الممكن نسخ الدماغ على صيغة رقمية بيوم من الأيام.
 
وعلى خلاف إعادة الشباب، فقد يقدم التحميل الذهني في الحقيقة شيئًا قريبًا بشكل مغرٍ من فكرة الخلود الحقيقي. فكما نقوم حاليًا بخزن نسخ احتياطية من الملفات على أقراص خارجية ومنصات تخزين سحابي، فـإن بالإمكان نسخ ذهنك المحمَّل حاسوبيًا لعدد لا حصر له من المرات ومن ثم خزن نسخ احتياطية منه في أماكن آمنة، وهو ما يجعل من المستبعد بشكل كبير أن تتمكن أية كارثة طبيعية أو متسبب بها بشرياً من إتلاف جميع النسخ المأخوذة عنك.
 
على الرغم من هذه الميزة، يشتمل التحميل الذهني على بعض المسائل الأخلاقية الصعبة، حيث يرى بعض الفلاسفة، مثل دَيفيد تشالمرز “David Chalmers”، بأنه هنالك احتمالية أن تكون نسخة التحميل المأخوذة عنك مطابقة من الناحية الوظيفية لذاتك القديمة بدون امتلاك أية خبرة واعية عن العالم. فستكون مجرد جثة متحركة بدلاً من شخص حقيقي، ناهيك عن كونك أنت ذاتك. أما الآخرون، مثل دانييل دينيت “Daniel Dennett”، فهم يرون بأن هذه المسألة لن تكون مشكلة. فبما أنك بالإمكان تفصيلك إلى عمليات معرّفة لمحتوى دماغك، فـإن النسخة المطابقة من الناحية الوظيفية لمحتوى دماغك – بغض النظر عن المادة التي تعمل عليها هذه النسخة – من المستحيل أن ينتج عنها أي شيء آخر مختلف عنك أنت.
 
وما هو أكثر من ذلك، فـليس بإمكاننا أن نتنبأ ما هو شعور الإنسان عندما يتم القيام بالتحميل الفعلي لذهنه. فهل سـتعاني من حالة فقدان الوعي الوسطية تبعًا لعملية النقل، أم أنك سـتشعر بشيء آخر سويةً؟ ماذا إذا كانت العملية برمّتها، بما في ذلك وجودك بحد ذاته كمخلوق رقمي، مختلفة نوعيًا عن الوجود البيولوجي على نحو من شأنه أن يجعلك مرعوبًا تمامًا أو حتى مشلولًا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا إذا لم يكن بمقدورك الاتصال بالآخرين أو أن تقوم «بتشغيل» نفسك مرة أخرى؟ ففي هذه الحالة، سـيكون خلودك نقمةً بدلًا من أن يكون نعمةً. فقد لا يكون الموت شيئًا سيئًا للغاية في نهاية المطاف، ولكن لـسوء الحظ، فلن يكون هنالك عندئذ خيار اسمه الموت.
 
أما المشكلة الأخرى، فهي احتمالية نسخ ذهنك المحمَّل وتشغيل تلك النسخة بشكل متزامن في الوقت ذاته مع النسخة الأصلية، حيث تتمثل أحد الآراء الفلسفية الرائجة في هي أن فكرة «الأنتوية» الخاصة بك تعتمد على بقائك شخصًا مفردًا، مما يعني أن «انسلاخك» عن هويتك الشخصيّة هو أمر مكافئ للموت، أي، إذا ما كنتَ أنتَ فرعًا لـ “أنت رقم 1” و “أنت رقم 2″، فـإنه سـتنتهي وجودك بصفتك ’’أنت‘‘، وهو ما سـيتركك ميتًا لكافة المقاصد والأغراض. لقد ارتأى بعض المفكرين، كالراحل ديريك بارفيت، أنه بينما قد لا تعاني من الانسلاخ، ما دامت كل نسخة جديدة منك أنت لديها اتصال غير منقطع مع النسخة الأصلية، فإن هذا الأمر جيد كما هو الحال بالنسبة للبقاء الاعتيادي على قيد الحياة.
 
ما هو الخيار الأكثر إشكالًا من الناحية الأخلاقية؟ من وجهة نظرنا، فإن ’’مجرّد‘‘ إعادة الشباب ربما هي الخيار الأقل إشكالًا. نعم، إن هزيمة الموت لكامل العرق البشري هو أمر سـيزيد بشكل كبير من حدّة مشاكلنا الحالية للانفجار السكاني وعدم المساواة – ألا أن المشاكل ستكون على الأقل مألوفة. فـبإمكاننا أن نتأكد بشكل كبير، على سبيل المثال، من أن إعادة الشباب ستعمل على توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأنها سـتجبرنا في النهاية على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن استخدام الموارد، وبعمّا إذا كنا سنحدّ من معدل النمو السكاني، وهكذا.
 
أما من الجهة الأخرى، فسيفتح التحميل الذهني مجالاً واسعاً من المآزق الأخلاقية الجديدة بالكامل وغير المألوفة إطلاقاً. فقد تمثل الأذهان المحمَّلة مجالاً جديداً بشكل جذري من الوكالة الأخلاقية. فعلى سبيل المثال، فنحن نعتبر عادةً المقدرات الإدراكية على أنها متعلقة بالوضع الأخلاقي للوكيل (ولذلك فإننا ننسب وضعاً أخلاقياً أعلى للبشر منه للبعوض). ألا أنه سيكون من الصعب إدراك أنه بالإمكان تعزيز المقدرات الإدراكية للعقول والأذهان باستخدام حواسيب أكثر سرعةً تتصل ببعضها البعض بسرعة الضوء، حيث أن هذا الأمر سيجعلها أذكى بشكل كبير جداً جداً من أذكى البشر الأحياء. وكما ارتأى الاقتصادي روبِن هانسون في كتابه “The Age of Em” (2016)، فإننا سنحتاج بالتالي لإيجاد طرق منصفة لتنظيم التفاعلات بين النطاقات القديمة والجديدة – أي، بين البشر ونُسَخ التحميلات الذهنية، وبين التحميلات ذاتها. وما هو أكثر من ذلك، فإن التطور السريع المذهل للأنظمة الرقمية يعني بأنه لدينا القليل جداً من الوقت لكي نقرر كيفية تطبيق الأنظمة، حتى الأنظمة البسيطة جداً منها.
 
ماذا عن التبعات الشخصية والعملية لاختيارك الخلود؟ على افتراض أنك سـتعيش حتى ذلك الوقت الذي تصبح فيه خيارات إعادة الشباب والتحميل الذهني متاحةً، فـإن قرارك يعتمد على ما يبدو على كم مقدار الخطر – وما هي أنواع الخطر – الذي أنت مستعد لمواجهته. تبدو عملية إعادة الشباب على أنها الخيار العملي المعتاد، رغم أنها تهدد بجعلك أكثر خوفاً وقلقاً على جسدك الحقيقي المعرّض للأخطار والأضرار. أما التحميل الذهني، فـسيجعل من الأكثر صعوبةً إتلاف ذهنك، على الأقل من الناحية العملية، ألا أنه ليس من الواضح عما إذا كنتَ سـتصمد من أية ناحية ذي معنى إذا ما تم أخذ نسخ من ذهنك لمرات عديدة ومتكرّرة. يمثل هذا الأمر منطقة مجهولة تمامًا بمخاطر هي أسوأ بكثير من تلك التي ستواجهها في حالة إعادة الشباب. ولكن على الرغم من ذلك، فإن احتمالية تحررنا من قيودنا الأخلاقية هي فكرة مغرية بلا شك – وحتى إن كانت هي مجرد خياراً، فربما سـيستنتج الكثير من الناس، بطريقة أو أخرى، بأن منافعها هي أكثر من مخاطرها.
 

– نُشرت هذه المقالة لأول مرة في (Aeon)، ومن ثم تمت إعادة نشرها في (Creative Commons).

المصـدر:-

عن

شاهد أيضاً

ماركس ونيتشه

جاك فوكس – ويليامز ترجمة ياسين إدوحموش تصميم الصورة: امير محمد لقد  كان ماركس ونيتشه من …

الإجراءات التجميلية ضرورية للرجال أيضاً في وادي السيليكون 

بقلم: بيتر هولي تاريخ النشر: 9يناير 2020  ترجمة: سرى كاظم تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: …