حصلتُ على درجة الدكتوراه في الفيزياء سنة ٢٠١١، بعد بدئي للدراسة بصفتي واحدة من أربعة فتيات في دفعة تضم اكثر من ٥٠ طالباً. بالتالي أصبحت قضية ندرة وجود النساء في مجال الفيزياء، قضية بارزة بالنسبة لي. أريد من الناس الذين لديهم شغفاً لدراسة الفيزياء، أن يغتنموا فرص النجاح، بغض النظر عن جنسهم، عرقهم ومستواهم الأقتصا-إجتماعي. إن ممارسة الصداقات الأسرية هي المفتاح لكي تكون الأناث أناثاً، وليست عمليات التوظيف العمياء التي تعُطى للنساء. أنا لا أريد وظيفة فقط لمجرد أنني املك اعضاء تناسلية انثوية تحت أسم «التنوع»، إنما أريد وظيفة لكوني جديرة لهذا العمل وسأكون إضافة جيدة له.
كيف لي أن أبني ثقتي بنفسي أذا لم أكن على دراية بنجاحي من عدمه؟ النساء العالمات يعانين متلازمة الدجل: المُمارسات التي تجعلنا نعتقد أننا قد نُقّدم أعمالاً غير مفيدة. ماهو المغزى من الحياة؟ من وجهة نظر بيولوجية، إن المغزى هو تمرير الفرد لجيناته. على أية حال، فالعديد من الأشخاص الأذكياء يبدو انهم قد تناسوا ذلك المغزى عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجنسانية في العلوم. إن الأجنة تبدأ بالنمو وهي على شكل إناث ثم يصبحوا ذكوراً عن طريق «المبدأ التنظيمي» بمساعدة الهرمونات الفعالة الموجودة في الرحم. هذه الهرمونات نفسها التي تؤثر على أدمغتنا وتوّجه سلوك الفرد أما الى سلوك ذكوري أو أنثوي. ولأننا نتكلم عن السكان، فهناك مدى كبير على مستوى السلوك لكلا الجنسين تتداخل معاً بسهولة. إن الجنس ليس بناء سوسيولجي فقط، على الرغم من أن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في هذا الأمر.
إن البشر هم جزء من نظام معقد يتضمن تطور اربعة أنسقة: الجينات، التخلّق، الثقافة السلوكية والثقافة الرمزية. الصفات هي نتيجة للتفاعلات التي تحدث بين هذه الأنسقة الأربعة خلال مراحل التطور وهذا هو السبب في كون الصفات عبارة عن مزيج من الطبيعة والرعاية. إذا أردت مزيداً من النساء اللواتي لديهم القدرة على النجاح في مجالات العلم، يجب أن يكون بمعلومك أن الإناث تطورن لكي يصبحن أمهات. قد لا يكون هناك مساواة بين أعداد الرجال والنساء في دراسة الفيزياء وهذا أمر لايزعجني، طالما أن من يملكون القدرة، الرغبة، والقابلية على النجاح، باستطاعتهم امتلاك الفرصة. وبالفعل، فأن النساء الناجحات في مجال الفيزياء غالباً ما يملن إلى العمل في مجالات لها تطبيقات بشرية، كالفيزياء البيولوجية، وهو مجال عملي. إضافة لذلك، قام زميلي (باسكال ديلاي) بجمع بيانات معدلات الذكاء وتوصل لاستنتاج مماثل لذلك الذي توصلت له (لاري سمر) في خطابها المغمور في «هارفرد». كمعدل، النساء بالعموم لها نفس ذكاء الرجل لكن المسح العنقودي يميل إلى المتوسط. وأن الرجال يميلون الى الزيادة التمثيلية في نتائج الذكاء نحو الأعلى والأدنى.
تلك الحقيقة قد تكون جزء من السبب في كثرة وجود فيزيائيين ذكور. بالأضافة إلى التفسيرات الإجتماعية، فأن المتوسطات متطابقة تقريباً، فقط هناك مزيد من الرجال في كلا الإتجاهين. قد يكون هذا هو السبب في أن المجالات التي تتطلب قدرات رياضية إنحرافاتها المعيارية فوق المتوسط، تميل إلى ندرة وجود الأناث فيها. التفسير المحتمل للأختلافات بين ذهنية الذكور والإناث يعود إلى أن الصبغيات في أدمغة الإناث تقوم بتعطيل الكروموسوم «إكس» الذي يؤدي إلى تأثير اعتماد متوسط الكروموسوم اكس على عقول الإناث بالمقارنة مع عقول الذكور. إحتمالية عدم امتلاك الذكور والإناث، في المعدل، على الميول المتشابهة في الفيزياء أو أي مجال أخر، لايعني أن من يملكون الموهبة في تلك المجالات لايمكنهم ولاينبغي لهم السعي نحو أحلامهم والمساهمة في تحقيقها. ليس هناك سبب للتنكر او الهرب من الواقع الذي يتضمن حقيقة وجود اختلافات بين الذكور والأناث.
بدلاً من ذلك، يمكننا التركيز على دعم الفتيات الواعدات اللواتي يظهرن ميولاً نحو هذه المجالات. العلماء من المجاميع الشاذة قد يكونون ذوي جودة عالية لأنه من الممكن أن يكونوا متحمسين وذوي مهارة تجعلهم يكسبون الثقة وتدفعهم إلى العمل في مجالات سبق وقيل لهم انهم لن ينجحوا فيها. انا أقيّم نفسي عن طريق عملي الجاد الذي يوصلني للنجاح، عندما قيل لي: «أن الفيزياء صعبة حقاً، هل تملكين الذكاء الكافي لدراستها؟» بالطبع، وقد أثبتّ ذلك عن طريق التصميم و العمل الجاد. انا أعرف شعور أن تكون أنثى في مجال ذي هيمنة ذكورية. شعرت بالظلم عندما كنت طالبة دراسات عليا في الفيزياء. حيث يتعامل الناس غالباً مع الأشياء تحت مسمى “العلم” بغرور ونرجسية كبيرة نراها عند بعض الأساتذة. وذلك خطأ، بغض النظر عن كون الشخص ذكر أم أنثى.
انا اعلم أنه من المغري القاء اللوم على “النظام الأبوي”. مازال هناك بعض الرجال كبار السن في الفيزياء يظنون أن النساء لايجب أن يكونوا هنا، لكن هناك دائماً متعصبين في أي مجموعة، لذا يجب أن نقف صفّاً واحداً ضد هكذا اشخاص ونعمل مانراه صالحاً للعلم والعلماء ومن دون تحيّز. إن إبعاد المرأة عن فرصة تجربة الروابط الأمومية، هو شيء مضر وغير نافع. أعتقد أننا كمجتمع، بحاجة لمعرفة أن المرأة الطموحة والذكية باستطاعتها أن تساهم في المجتمع عن طريق تربيتها واهتمامها بعائلتها و/أو اهتمامها بعملها. وأن تفعيل مثل هكذا قرار قد يسبب مضاراً للمرأة والرجل والأطفال وقد يعرض مستقبل جيناتنا للخطر. لذا بدلاً من التذمر والاختلاف مع النساء بشأن اختيار مجال العمل المناسب لها والمتوافق مع رؤيتهم في كونها أم، يجب أن نوضح لهن الاختلافات الفسيولوجية بين الذكور والإناث حتى تصبح الصورة واضحة لها في اختيارها للمهنة التي تتلائهم مع بيلوجيتها. إذا أردت ان تجذب النساء الى العمل في المهن الأكاديمية العلمية، يجب أن ترى قابليتهن في الموافقة بين العمل و الأمومة أولاً.
كفيزيائية، هذا ليس مجال خبرتي، ولكن نتيجة لقرائاتي، أن إناث البشر، قد تطورن بشكل أكبر من باقي الأنواع وتشكلن لوظيفة الأمومة. أطفالنا يولدون مبكراً نتيجة التنافس بين تطور الأدمغة الكبيرة، مايعني ولادة أطفال برؤوس كبيرة الحجم، في الوقت نفسه بدأنا السير بوضع مستقيم و ارتكازنا على الوركين اصبح أضيق. من هنا أصبح يشار للحمل عند البشر بكونه «رباعي الفصول» حيث الأشهر الأولى بعد الولادة ينبغي للطفل فيها أن يبقى داخل الرحم، لكنه لايستطيع البقاء هناك، فيخرج حياً ويعيش غالباً في فترة حضانة. هذه الحقيقة بالإضافة الى طول فترة الطفولة، تسمح للتعلم الاجتماعي والسلوكي أن يحدث للطفل، مايعني أن إناث البشر قد تطوروا بشكل حقيقي لكي يصبحوا أمهات، على الرغم من الحالة المثالية المُفترضة في أن تتلقى الأم دعم شريكاتها الإناث أيضاً.
من النتائج الهامة أيضاً، أن للبشر دوائر دماغية محددة لتشكيل ترافقات مع أطفالنا، وهذا أمر مهم جداً لجنسنا البشري. عند الأمهات تتعزز تلك الترافقات عن طريق الرضاعة وتأثير الهرمونات في رعاية الأم لطفلها. وعندما تنحرف او تشذ تلك الترافقات، فإنها تؤدي إلى احتمال كبير في حدوث مشاكل سلوكية واجتماعية لدى أطفالنا والتي تكون صعبة الإصلاح في وقت آخر من الحياة. النتائج الناجحة تأتي من توفير تلك الرعاية في وقت مبكر من حياة الطفل، ومن المهم جداً لمستقبل الإنسانية أن نشجع الأمهات والأباء على توفير رعاية وارتباط آمن لأطفالهم. الإناث لديهم أيضاً دورة شهرية تسبب تغيراً حاداً في المشاعر، أجسامنا وأدمغتنا تطورت بطريقة تسمح لنا بإنجاب الأطفال عندما يكون الجسم جاهزاً للإخصاب وهذه الدورات تؤثر على أمزجتنا. إن القاعدة الأولى للكائنات الحية هي الإستمرار على قيد الحياة، والثانية هي إنجاب الأطفال، ولست بحاجة لأخذ دكتوراه في البيولوجيا التطورية لكي تعرف ذلك الأمر وتتزاوج.
المصدر: هنا