لماذا يحترق فمك عند تناول الكاري اللاذع ؟ يقوم هذا المقال باستكشاف الطرق غير المتوقعة التي تجعل لسانك يشعر أحياناً بالوخز.
عندما يخطر ببالك اللسان فإن ما يقفز الى ذهنك هو الانواع الاساسية الخمسة للمذاق وهي كل من المذاق الحلو، المالح، المر، الحامض و الاومامي (كلمة اومامي تعني المذاق اللذيذ باللغة اليابانية وهو المذاق الموجود بكثرة في الطماطم الناضجة والسمك والفطر وبعض انواع الجبنة مثل جبنة البارميزان الايطالية وقد قام باكتشافه العالم الياباني ايكيدا عام 1908 ووجد أن المسبب لهذا المذاق هو الحامض الاميني الجلوتاميك). تشعر بتلك الاحاسيس حالما يقوم طعامك بتحفيز المستقبلات الموجودة على سطح خلايا التذوق البرعمية، وهو ما يثير الالياف العصبية والتي بدورها تنقل هذا الشعور بطريقتها الخاصة الى الدماغ وهو ما يساعد على تكوين الاحساس الذي تمر به عند تذوق قطعة لحم مشوية متبلة او عند تناول فراولة طازجة. مع ذلك فأن لسانك يكون ذو قدرات متعددة حيث أنه حساس للحرارة والضغط و بالمثل لبعض المواد الكيميائية الموجودة في عدد من الاطعمة التي تقوم بخداع اللسان حيث تجعله و عن طريق التقليد يشعر بالحرارة والضغط. إن تلك المجموعة الغريبة من المواد الكيميائية تسمى بالكيميثيسس والتي من المحتمل ان تكون انت عزيزي القارئ من الذين يجربون طعمها في كل يوم.
أحد الامثلة الاغرب هو حب فلفل سيشوان أحد الدعائم الرئيسية للطبخ الاسيوي. حين يتم رشه على الطبق ستعلم بذلك حال تذوقه اذ ان فمك سيبدأ بوخزك بلطف بينما يتخدر بشكل غريب أن المسبب لهذا التأثير هو مركب كيميائي يدعى بالسانشول ما يحدث هو أن السانشول يرتبط بشدة بالقنوات الموجودة في الغشاء العصبي الموجود في اللسان والتي تكون مسؤولة عن اللمس مما ينتج نوع من الوهم اللمسي.
في الحقيقة قام الباحثون في ورقة علمية نشرت عام 2013 بمسح تلك المادة”السانشول” على شفاه المتطوعين وبعدها قاموا بوضع اناملهم على آلة تهتز بترددات مختلفة وطلبوا منهم ان يحددوا التردد الاكثر قرباً من النبضات التي يولدها حب الفلفل ، كان جواب المتطوعين متوافقاً حيث انهم قالوا بأن التردد الاقرب هو 50 هرتز، وهو ما جعل الباحثين يعتقدون ان نوع معين من الاعصاب هو المسبب لهذا الاحساس والذي يكون حساساً لتردد معين دون غيره.
الحرارة اللاذعة
الطعم الاخر و الذي “لا طعم له” –اي الذي تقوم المستقبلات غير الخاصة بالتذوق بتحسسه- هو الحرارة اللاذعة للكابسيسين وهو الجزئ الذي يعطي الفلفل الحار نكهته المميزة. يقوم الكابسيسين بالالتصاق بالمستقبلات الموجودة في كل من خلايا اللسان التي تحدد الحرارة وتلك التي ترسل رسائل بوجود الآلام . يقوم البيبرين بتحفيز نفس تلك المستقبلات وهو مركب موجود في الفلفل الاسود والذي من المحتمل ان تكون من الذين يخفقونه مع البيض صباحاً، كذلك فأن المركب (اَي آي تي سي) له نفس العمل ويكون موجوداً في الخردل والفجل .
ستشعر بالحرارة عندما تقوم بتناول تلك الاطعمة اللاذعة السبب في ذلك هو خبر غير جيد، اذ ان المستقبلات التي من المفترض ان تطلق التحذيرات عند درجات الحرارة الاعلى من 42 مئوية او عند تذوق حامض هي نفسها التي تقوم تلك الاطعمة بتحفيزها وتجعلها ترسل وتسبب انذارات لوجود خطر غير موجود اصلاً، على اية حال فأن الكابسيسين وغيره من الاطعمة الحارة لا يؤدي الى احداث اي ضرر في اللسان لذلك يمكنك ان تأكل ما تشاء من تلك الاطعمة.
في الواقع ربما قمت بملاحظة انه وبعد ان تقوم بتناول الكثير من الطعام اللاذع فأن الحرقة المتولدة لن يكون تأثيرها كبيراً عليك، اذ ان المستقبلات ستتوقف فجأة عن الاستجابة المفرطة للكابسيسين. تسمى هذه الظاهرة بازالة التحسس للكابسيسين وهي لطالما أدهشت العلماء لأنها رجحت ان الكابسيسين له المقدرة على تخفيف و تقليل الآلام. تتوفر الآن كريمات الكابسيسين لعلاج آلام التهاب المفاصل او الروماتيزم لكن وعلى سبيل المثال فأن الدواء الذي يوقف عمل المستقبلات في محاولة منه لعلاج الالم قد اوقف استعماله بشكل كبير لأنه يجعل الاشياء تبدو حارة بصورة غير مألوفة.
إن الايثانول له القدرة على خفض الحرارة الناتجة عند تحفيز مستقبل الكابسيسين وهو ما يرجح ان يكون السبب في كون رشفة من الكحول تكون لاذعة الطعم. وقد يكون هذا السبب في جعل الطعام الحريف يبدو أكثر حرارة اذا ما تناولنا معه مشروب كحولي قوي وهو ما يفسر ايضاً سبب كون المشروب شديد البرودة باعث للراحة بعد وجبة لاذعة . للايثانول خصائص غريبة اخرى اذ ان وضعه على اللسان يقلل الوجع الموجود في الفم وربما يكون هذا التأثير له علاقة بين المستقبل والاحساس بالالم.
من ناحيةٍ اخرى فإن برودة المينثول في النعناع تظهر ايضاً كظاهرة تستدعي الوقوف عندها اذ ان المستلم الذي يتحفز عندما تنخفض درجة حرارة الفم سيبدأ بالفعالية عندما يكون المنثول في تماس مع اللسان.
بالطبع فإن كل تلك الظواهر ليست مقتصرة على فمك اذ أن نفس تلك المستلمات تكون موجودة في جلدك. فاذا ما قمت بالاستحمام بفلفل سيشوان فأن نفس الشعور سيغمرك كما ان مسح عينيك بيديك بعد القيام بقطع الفلفل الحار تُعد تجربةً لا تُنسى. الا اننا نشأنا على الاعتياد على فوضى الحواس التي يسببها الطعام لذا وجبت الاشارة على تأثير الطعام على اللسان وما يفعله من تأثيرات مدهشة. في المرة القادمة وانت تقوم بتناول الطعام الصيني او تشعر بحرقة الخردل تذكر المستقبلات غير الخاصة بالتذوق في داخل فمك.
المصدر: هنا