تُعد ألعاب الحظ والمقامرة هواية شعبية لمختلف الشعوب القديمة، حيث وجد علماء الحفريات أدلة تشير إلى ذلك حتى في عصور ما قبل التاريخ، ومع التقدم الرياضي الذي كانت عليه حضارات مثل اليونانية القديمة والصينية والمصرية والهندية فقد يتوقع أحدهم أن الاحتمالات يجب أن تكون أكثر فروع الرياضيات تطوراً، آخذين بعين الاعتبار ميل الناس القديم للمقامرة، لكن وللمفاجأة فإن الاحتمالية لم تكسب صيغتها الرياضية الواضحة قبل القرن السابع عشر وتحديداً على يد بير دي فيرما (Pierrede Fermat) وبليز باسكال (Blaise Pascal).
كانت المسألة التي أدت لتطوير رياضيات الاحتمالات في عصور النهضة الأوربية هي مسألة النقاط (problem of points) وهي مشكلة بالإمكان وصفها على أنها عملية تقسيم المال بين متباريين اثنين لهما نفس المهارة باللعب في لعبة تستهدف ربح مبلغ معين، لكنهما لا يقفان على قدم المساواة فياللعبة.
ولمزيد من التوضيح لنتخيل السيناريو التالي:
يجلس فيرما وباسكال على طاولة في مقهى باريسي يحتسيان القهوة، وتبدر لهما فكرة لعب لعبة تعتمد على رمي القطعة النقدية ولكن بقاعدة اتفقا عليها هي كالآتي:
يضع كل منهما مبلغ من المال قدره 50 فرانك على الطاولة ليكون المبلغ الإجمالي 100 فرانك ثم يرميان القطعة النقدية،كل صورة تظهر تُسجل على أنها نقطة لفيرما، وكل كتابة تظهر تُسجل على أنهانقطة لباسكال، والرابح هو من يصل لـ10 نقاط قبل الآخر، حيث يحق له عندها أن يأخذ كامل المبلغ ومقداره 100 فرانك.
استمر الصديقان باللعب إلى أن وصل لهما خبر مفاجئ، حيث استبد المرض بصديق لفيرما من بلدة خارج باريس ونُقل للمستشفى ويود أن يُلقي نظرة أخيرة على صديقه قبل الوفاة، وقد عرض الرجل الذي جاء بالرسالة نقل فيرما على شرط أن يغادر معه المقهى فوراً، كانت النتيجة 8 نقاط لفيرما و 7 لباسكال،تّفهم باسكال الوضع وأعطى العذر لفيرما في المغادرة وتواعدا على التوصل لحل رياضي للمسألة، وغادر فيرما مسرعاً.
بعد فترة أرسل فيرما لباسكال رسالة يقترح فيها الحل التالي.
عزيزي بلييز،
أعتقد أنني توصلت لحل رياضي لمسألة تقسيم الـ100فرانك، فبما أنك كنت تمتلك 7 نقاط وتحتاج 3 نقاط لتفوز وأنا امتلك 8 واحتاج 2للفوز فإن العملية كانت ستنتهي بكل الأحول بعد 4 رميات لقطعة النقد وبما أن كل الاحتمالات الممكنة لأربع رميات ستكون 16 محاولة سأرتبها بالمصفوفة أدناه:
حيث يمثل “ص” وجه الصورة للعملة و “ك” وجه الكتابة للعملة، وقد ضللتُ الاحتمالات التي تؤدي لفوزي باللون الأصفر والاحتمالات التي تؤدي لفوزك باللون الأزرق الباهت، حيث أن عدد الاحتمالات التي تؤدي لفوزي هي11 من 16 وعليه فإن حصتي من المبلغ ستكون (11÷16)×100= 68.75 فرانك وباقي المبلغ البالغ 31.25 فرانك هو حصتك.
آمل أن كل شيء على مايرام في باريس.
صديقك وزميلك بيير
لكن باسكال الذي وافق على حل فيرما وضع المسألة ببعد أكثر عمومية فكتب لفيرما:
العزيز بيير،
في الواقع أجد أن حلك مرضي بخصوص تحصيل المبلغ الذي أدين لك به. لكني، وبوحيٍ من حلك، أمعنت التفكير ملياً بالمسألة. لو تأملنا نفس اللعبة التي قمنا بها ولكن بعدد أكبر من النقاط يجب تحصيلها للفوز، فإن طريقتك في حساب كل الإحتمالات ستكون طويلة ومثيرة للضجر. لذلك فقد تلمست تعميماً للمسألة، وأعتقد إني توصلت لحل مناسب.
لنلقي نظرة أخرى على حلِك لتوزيع الأموال بلعبتنا، فإنه يبدولي أن ايجاد طريقة عامة لحساب الربح الذي ستتحصل أنت عليه. سيوصلنا للحل العام الذي أصبو إليه. إن أي ناتج للرميات يتضمن على الأقل ظهور وجه الصورة مرتين سيؤدي لأن تربح أنت ال100 فرانك. لذا فإن عدد المرات التي ستربح أنت بها سيكون مساوياً لعدد الطرق التي تختار بها شيئين من بين أربعة مجموعاً مع عدد الطرق التي تختار بها ثلاثة أشياء من أربعة مجوعاً مع عدد الطرق التي تختار بها أربعة أشياء من أربعة أشياء. لنبسط الأمور أكثر، سأرمز لعملية اختيار ن من الأشياء من مجموع ع من الأشياء بالعبارة (توافيق ن من ع)، وعليه فإن احتمالية ربحك للعبة ستُحسب كالاتي.
(بامكان القراء المهتمين الإطلاع على كيفية حساب التوافيق من هنا)
كما أن بالإمكان حساب التوافيق لأي عدد من الأشياء مأخوذ من أي عدد أخر من الأشياء من خلال ترتيبهم في المثلث أدناه
فلو قمت بحساب قيم التوافيق لكل الأعداد سيكون المثلث أعلاه كالاتي:
حيث تستطيع الحصول على كل عدد في المثلث من خلال جمع العددين الواقعين فوقه مباشرةً، ولذك أسميته مثلث الجمع.
الآن لو فرضنا وجود متباريين في لعبة شبيهة بلعبتنا الأول يحتاج ن من النقاط للربح والثاني يحتاج ع من النقاط للربح. فلكي نحسب كم سيربح كل منهم عند توقف اللعبة يجب علينا أن نحسب مجموع السطر رقم (ن+ع) من المثلث أعلاه ثم نحسب مجموع أول ع من الأرقام ونقسم ناتج الجمع الثاني على ناتج الجمع الأول فنحصل على الإحتمالية، ثم نظربها بمقدار الرهان الكلي لنحصل على مجموع ما سيربحه اللاعب الأول (اللاعب الذي يحتاج ل ن من النقاط). ولكي نضع هذا على شكل قانون.
أما المتبقي من الرهن فسيكون حصة اللاعب الثاني.
ولتطبيق هذا القانون على لعبتنا فتذكر عزيزي إنني كنت محتاجاً ل3 نقاط للفوز في ما كنت أنت تحتاج لنقطتين فقط للفوز. فلو جمعنا أرقام السطر رقم 5 في المثلث وقسمنا عليها مجموع أول 3 أرقام من نفس السطر وضربناها في الرهان الكلي البالغ 100 فرانك سنحصل على التالي
((1+4+6)÷(1+4+6+4+1))*100=68.75 فرانك
وهو نفس الناتج الذي توصلت إليه أنت من قبل.
أتمنى أن يكون كل شيء بخير بالنسبة لك وأتمنى الشفاء العاجل لصديقك،
صديقك بلييز
قد يبدو المنطق الذي تضمنته رسالتي باسكال وفيرما (التخيليتين) بديهي وواضح، لكنه قادهما لمفهوم مهم جداً وثوري في العام 1964، نقصد بهذا المفهوم النتائج متساوية الإحتمال. لقد أدركا أن احتمالية حدوث شيء ما هو ناتج قسمة الحالات التي تؤدي لحدوثه على العدد الكلي للحالات الممكنة. وهذا في الواقع ما قام به فيرما عندما استعرض الحالات الست عشرة التي من الممكن أن تنتهي عندها اللعبة، في مسعاه لحساب كمية الأموال التي سيحصل عليها. مرة أخرى قد ترى أن الأمر بديهي لكن صدق أو لاتصدق إنه كان عصياً على علماء القرنين السادس عشر والخامس عشر الميلادي في مسعاهم لحل مشكلة النقاط.
المصدر: هنا