كتبه لموقع “بيغ ثينك”: ماثيو ديفس
نشر بتاريخ: 18/07/2018
ترجمة: أسامه العبادي
تدقيق: رعد طالب
تصميم الصورة: مثنى حسين
المهاجرون الذين يأتون إلى الولايات المتحدة هم أقل احتمالاً، وبشكل كبير، من أن يعانوا من مشاكل صحية عقلية مقارنة بالأشخاص المولودين في الولايات المتحدة، ذلك بناء على ما جاء في دراسة حديثة نشرت في مجلة “أبحاث الطب النفسي”. بالاستعانة بالإحصاء الوبائي الوطني عن المشروبات الكحولية والظروف المرتبطة بها، وعن طريق المقابلات المباشرة وجهاً لوجه، قامت الدراسة بمسح أكثر من 36000 مهاجر، لتعلن بعدها النتائج الغير بديهية بأن المهاجرين هم أقل احتمالاً من أن يعانوا من القلق، القطبية الشخصية، والاضطرابات الناتجة عن الصدمات والإحباط.
قد يعتقد الفرد أن التوتر الناجم عن الانتقال لدولة جديدة، والإعداد لحياة جديدة، وتعلم الثقافة الجديدة قد يكون اعتداءً على صحة المهاجر العقلية. لا يوجد شك بأن الانتقال لبلد جديد هو أمر يبعث على التوتر الشديد، ولكنه يبدو بأن الأسباب نفسها التي تجعل من الهجرة أمراً صعباً للغاية، هي عينها الأسباب التي تجعل من أولئك الذين ينجحون بالهجرة أكثر صحة وأقوى عقلياً من الفرد العادي. يعرف ذلك بشكل جليّ باسم فرضية المهاجر الصحي.
ما هي فرضية المهاجر الصحي؟
“الاعتبار الجوهري لفرضية المهاجر الصحي هي أن عملية الهجرة ليست بالأمر العشوائي”، يقول كريستوفر ب. سالاس-رايت، مؤلف الدراسة. عوضاً عن ذلك، “الأفراد الميالون للهجرة، والقادرون على النجاح في فعل ذلك، هم من ضمن مجموعة جزئية شديدة التميز صحياً وعقلياً”.
بالأساس، المهاجرون يظهرون أكثر صحة من غيرهم لأن الأصحاء هم الوحيدون القادرون على الهجرة. أما الأفراد غير الأصحاء فإنهم إما يفتقدون القدرة على مغادرة بلدانهم الأصلية أو الرغبة في ذلك، في حين يتعامل الأشخاص الأصحاء، والذين يقررون الهجرة طواعية، بشكل أفضل مع التوتر الناجم عن هذه الخطوة، وهم أكثر إصراراً عقلياً بشكل عام.
العقبات اللوجستية والمالية للهجرة هي على الأغلب ما يمنع الأشخاص غير الأصحاء من الوصول إلى الولايات المتحدة. في الواقع، عندما تزول هذه العقبات، فإن نسب الاضطرابات العقلية في المهاجرين تميل إلى الارتفاع إلى مستوياتها في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يمكن لمواطني بورتو ريكو السفر بحرية إلى اليابسة في الولايات المتحدة دون الحاجة إلى المرور عبر نقاط التفتيش للمهاجرين. وكما ظهر لاحقاً، فإنهم يعانون من مستويات أمراض عقلية مقاربة لتلك في الأشخاص في الولايات المتحدة.
“بشكل واضح”، يقول دكتور سالاس-رايت، “المنطق هنا ينطبق بشكل كبير على الأفراد الذين يقررون الهجرة بشكل فعال”. أما عندما لا يكون هناك خيار أخر بديلاً عن الهجرة، كما هي الحال مع اللاجئين، فإن الدراسة أقل وضوحاً في هذا المجال.
الهجرة غير الطوعية
الدراسة التي تم استخدامها لجمع الكم الأكبر من المعلومات لم تميز بين الأنواع المختلفة للمهاجرين الذين تمت مقابلتهم، لذا فإن هذه الدراسة لا يمكنها التعليق على الاختلافات الدقيقة بين المهاجرين بشكل طوعي (العمال، المهاجرون المنضمون إلى عوائلهم، …الخ) والمهاجرين بشكل غير طوعي (اللاجئون والباحثون عن اللجوء السياسي). على الرغم من ذلك، أظهرت الأبحاث السابقة أن اللاجئين قد عانوا مستويات أعلى من اضطراب التوتر الناجم عن صدمة من نظرائهم من المهاجرين غير اللاجئين.
نظرت دراسة الدكتور سالاس-رايت إلى المستويات المختلفة للصحة العقلية بناءً على العمر. كل المجموعات العمرية للمهاجرين تقريباً قد عانت مشاكل صحية عقلية أقل، ما عدا الأطفال دون سن الثانية عشرة. أولئك الأطفال عرضة للإصابة باضطرابات صحية عقلية في حياتهم بشكل مماثل للأفراد المولودين في الولايات المتحدة.
لأنهم لا يشاركون بشكل فعّال في قرار الابتعاد عن بلدانهم الأصلية، فإن الأطفال الأصحاء وغير الأصحاء يهاجرون على شكل سواء، في حين أن البالغ غير الصحي قد يقرر البقاء.
عندما يكون التأقلم غير صحي
لأن الأطفال ما يزالون في مرحلة النضوج، فإنهم سريعوا التأقلم مع البيئات الجديدة. تبين نظرية التأقلم الثقافي أن المهاجرين الذين ينغمسون بشكل أكبر في بيئتهم الجديدة يعانون مشاكل صحية أكثر من أولئك الغير منغمسين. على سبيل المثال، اللاتينيون في الولايات المتحدة، والذي يتحدثون الاسبانية بشكل أعم ويختلطون أكثر مع غيرهم ممن يتحدثون الاسبانية فإن أولئك أقل عرضة لأن يصبحوا مدمنين على المخدرات والوجبات السريعة، وهم أكثر احتمالاً لأن يكونوا نشيطين جسدياً.
بالإضافة إلى ذلك، يتعرض المهاجرون الذين يتأقلمون ثقافياً بشكل أسرع لنسب أعلى من التمييز العنصري ضدهم من أولئك الذين يتأقلمون ثقافياً بشكل أقل، وقد يكون التوتر الناتج عن هذا التمييز مسبباً رئيساً للمعدلات المرتفعة من المشاكل الصحية العقلية.
ولأن الأطفال ما زالوا في مراحل نضوجهم، فإنهم سريعوا التأقلم مع الثقافة الأمريكية، ويتصرفون بالطريقة نفسها التي تتسبب بالأمراض العقلية عند الأفراد المولودين في الولايات المتحدة. الأطفال كذلك على احتكاك أكثر مع أفراد مولودين في الولايات المتحدة ومع احتمالية التعرض لتمييز عنصري، في حين أن المهاجرين المتأقلمين ثقافياً -والذين يمتلكون في العادة مهارات لغوية أكبر- يتمكنون أكثر من معرفة التمييز العنصري عند حدوثه.
بالرغم من حقيقة أن الأطفال دون سن الثانية عشرة يميلون إلى التعرض للأمراض العقلية بنفس تلك النسب للأطفال الأمريكان، فإن الدراسة في النهاية تدعم فرضية المهاجر الصحي. سجل الـ 36000 مهاجر الذين شاركوا في الدراسة مشاكل صحية عقلية أقل من الأفراد المولودين في الولايات المتحدة. الهجرة إلى أي مكان هي تحدٍ، والهجرة إلى الولايات المتحدة هي تحدٍ أكثر صعوبة. اتخاذ قرار الرحلة بحد ذاته يتطلب قوة عقلية جادة، ناهيك عن النجاح في الهجرة.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا