كتبه لـ”ذي كونفرزيشن”: آن جليتي
منشور بتاريخ: 10/7/2018
ترجمة : أحمد طريف المدرس
تدقيق: رعد طالب
تصميم: مينا خالد
يمكن لهويتك أن ترغمك على رفض الحقيقة، حتى عندما يكون لديك أدلة تثبتها. و نرى هذا اليوم مع المؤسسة السياسية الأمريكية: يستطيع مؤيدو ترامب النظر إلى صور لتنصيبه ويقولون إن التنصيب الفارغ الى حد كبير هو ممتلئ إلى حد كبير.
هذه المشكلة بعيدة كل البعد عن الحداثة. وكانت واضحة بشكل خاص في العصور الوسطى، عندما كان التفكير العلمي الناشئ يتناقض بشدة مع العقيدة الدينية المقبولة. فواجه العلماء في أواخر العصور الوسطى هذا الصراع بنتائج مفاجئة.
رفضَ البعض النظريات التي تم إثباتها*، لأنها تتعارض مع المسيحية وبالتالي مع نظرتهم إلى العالم بأسره. بينما نظر آخرون إلى هذه الأفكار المتناقضة وقبولها بطريقة أو بأخرى. كان المجتمع الأوروبي متديناً، وكانت نظرته مسيحية. ماذا كان على العلماء فعله عندما واجهوا نظرية مقنعة، مثل أن العالم كان أبديا (أزلي)، إذا كانت الحقيقة بالنسبة للمسيحيين هي الخلق، اعتبر العلماء النظرية صحيحة علمياً، لكن كمسيحيين آمنوا بالخلق المباشر.
يسمي المؤرخون هذه الظاهرة بـ “الحقيقة المزدوجة”. في العصور الوسطى حافظت الحقيقة المزدوجة على عالم متضارب في الهوية المسيحية، واليوم قد يقبل شخص ما ”من وجهة نظر“ علمية نظرية داروين في التطور، ولكن أيضا متوافقة مع إيمانه، خلق الله آدم من تراب، وحواء من ضلع آدم.
ظهرت المشكلة في العصور الوسطى خلال الثورة العلمية الأرسطية في القرن الثالث عشر. الكتب التي كتبها أرسطو، و المترجمة حديثاً إلى اللاتينية، أنشأت علماً جديداً وقيماً. ووضعت أعمال مثل الفيزياء والروح مبادئ مقنعة تشرح كيف يعمل العالم والعقل البشري.
يضاف إلى ذلك كتب تفسر أفكاره من قبل مفكرين كبار من العالم مثل الإسلامي- الأندلسي أبن رشد، و الحاخام اليهودي موسى بن ميمون، و أبن سينا الفارسي. كلهم تصارعوا مع نفس القضايا العلمية ومع مشكلة عقيدتهم.
اشتهر ابن رشد في أوروبا من أجل دعم نظرية أرسطو حول أبدية العالم، ونظريته الخاصة حول النفس البشرية التي تجاوزت أرسطو. وادعى أن جميع البشر يتشاركون في عقلية تفكيرية واحدة. أي أن كل إنسان لديه جزء من هذه الروح الفكرية، ولكن فقط خلال حياته. و عندما يموت الجسد، تندمج الروح مع بقية العقل. بالنسبة للمسيحيين ”وللمسألة أيضا للمسلمين“ كان هذا يعني أن الروح لم يكن لها حياة لاحقة، ولا محاكمة من الله ولا مصير في الجنة أو الجحيم.
كان الأكاديميون المسيحيون الذين تبنوا علم أرسطو يصفون من قبل زملاءهم بـ( رشدويين) حتى رغم اعتناقهم الدين. وكان قلب هذا الجدل جامعة باريس. حيث كان هناك دراسة عميقة ونقاش حول الفلسفة الطبيعية وعلم أرسطو. كان هذا أيضا المركز الرئيسي للدراسة اللاهوتية، حيث حصل أعظم اللاهوتيين في ذلك الوقت على شهاداتهم و درسوها و قبل دراسة اللاهوت كان لدى الطلاب دورة كاملة من الفلسفة الطبيعية. لذا كانت باريس مركزا للمتخصصين في العلوم واللاهوت، وكان العديد من الأكاديميين خبراء في كلا المجالين. وهذه الخبرة المزدوجة جعلت المشكلة أسوأ بكثير.
ولكن الأسقف حرم الحقيقة المزدوجة عام 1277 بعد رفضه لأفكار الفيلسوف بوثيوس، وهكذا اصبح من المستحيل أن يكون المرء عالماً ومسيحياً في وقت واحد، مما ادى لتدهور العلم لعدة عقود.
*إشارة الى رفضهم مركزية الشمس التي اثبتها غاليلو بمنظاره
المقال باللغة الإنجليزية: هنا