كتبه لموقع (بيغ ثينك): سكوتي هيندريكس
منشور بتاريخ: 26/4/2018
ترجمة: رشا الخطيب
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: أحمد الوائلي
سقراط هو أحد أشهر الفلاسفة على مر العصور. وشهرته تصل حتى لأولئك غير المهتمين بالفلسفة. تفاصيل حياته بالإضافة إلى بعض أقواله وآرائه غادرت الأبراج العاجية التي اختبأ بها العديد من الفلاسفة منذ وقت طويل ودخلت في عالم الوعي الاجتماعي.
ومع ذلك، هناك أمر واحد لا يعرفه الكثيرون عن سقراط، فمثله مثل العديد من المفكرين القدماء العظماء، لم يدون سقراط أي كتابات قط، حيث كان يرى أن الكتابة أقل شأناً من الحوار كوسيلة للاستفسار. كل شيء نعلمه عما قاله أو فعله أو فكر فيه يأتينا من الآخرين. ومع ذلك، فهم لا يتفقون على كل ما قاله أو فعله.
ماذا تقول المصادر؟
أقدم مصدر يذكر سقراط هو مسرحية، حيث كُتبت مسرحية (أريستوفانس) الكوميدية “السحب” عام 423 قبل الميلاد عندما كان سقراط يبلغ 47 عاماً. تم وصفه في المسرحية كمفكر غريب الأطوار يحاول بشكل متواصل التهرب من دفع فواتيره، ويدير مدرسة صغيرة متخصصة في العلوم ويجني الأموال من تدريب الشباب على تعذيب آبائهم وهزيمة دائنيهم عن طريق البلاغة. وبسبب هاتان الجريمتان حُكِم عليه بالإعدام. وقد أشار سقراط في سجل أفلاطون للمحاكمة أن هذا الوصف شائع وخاطئ.
ثم هناك (زينوفون) الذي كان جندياً ومؤرخاً. عرف سقراط في حياته، حيث كان تلميذه وزميلاً له في الجيش اليوناني. ومع ذلك فإن المحاورات التي سجلها عن سقراط غير مرضية إلى حد كبير، فهو لم يكن حاضراً لمحاكمة سقراط لكنه كتب عنها على أيّة حال، وقد كان مجرد طفل خلال أحداث قصص أخرى رواها لنا بتفصيل غاية في الدقة يدعو إلى الشك.
قدم لنا زينوفون نسخة “دفاع سقراط” التي اختلفت عن تلك الخاصة بأفلاطون، فبينما أشار افلاطون أن سقراط كان على ما يرام بشأن احتمالية إعدامه بسبب إصراره على السعي وراء المعرفة، فقد كتب زينوفون أن سقراط قال أنه يتقدم في السن وأنه يفضل الموت على أن يصل لسن الشيخوخة.
أغلب ما نعرفه عن سقراط وصلنا من تلميذه أفلاطون الذي كتب العديد من المحاورات التي تصف أستاذه. وأصبح وصفه لسقراط هو أساس أغلب فكرتنا عنه. و بالرغم من غرابة تلك الفكرة إلا أن ذلك الوصف أصبح يُعتبر الوصف “الحقيقي” لسقراط .
شخصية سقراط التي صورها أفلاطون غيرت من وجهات نظرها بمرور الوقت. ففي الوقت الذي يعترف فيه سقراط الأقدم أنه لا يعرف شيئاً عن الموت ويبدي بعض الآراء الخاصة بمبادئ الأخلاق، فإن المحاورات اللاحقة التي أجراها سقراط كانت عن خلود الروح ويشدد على القضايا الأخلاقية التي ادعى الجهل بها من قبل. ويا له من عمل فذ لرجل توفيّ قبل كتابة تلك المحاورات بوقت طويل.
كما أن سقراط يعدّ مثالياً إلى حد يصعب معه التصديق أنه كان حقيقياً، فقد كان جندياً متميزاً وبإمكانه شرب الكجول أكثر من أي أحد آخر فيما يخوض النقاشات أو يبتكر الدولة المثالية أثناء تناول العشاء وقد كان فاضلاً لدرجة أنه يفضل الموت على أن يخون مبادئه. وينبغي التذكير أيضاً أن أفلاطون وزينوفون كانا أصغر من سقراط بأربعين عاماً وقد عرفاه خلال الجزء الأخير من حياته. ولذلك فإن وصفهما للفترات الأولى من حياته قد يكون مثار شك.
إذاً كيف يمكننا أن نحل المشكلة؟
المشكلة لا حل لها بشتى الطرق، فمن غير الوارد أن نجد مصادر جديدة تكشف لنا عن حياته في أي وقت قريب، والمصادر التي نستخدمها الآن قد بليت على مدى القرون على أمل إيجاد حل. ومع ذلك، فهذا لم يمنع المؤرخين والفلاسفة من محاولة حل المسألة.
هناك أربعة مناهج أساسية لذلك اللغز، وكلٍ منهم مثار خلاف:
1. سقراط الحقيقي هو الشخص الذي اتفق عليه كلٌ من أفلاطون وزينوفون وأريستوفانس.
المشكلة: إنهم لا يتفقون على الكثير وكل ما يمكننا قوله أن سقراط كان يونانياً قبيحاً كما أنه كان بشوشاً ومحباً للاستطلاع.
2. سقراط هو الشخص الذي “يعلم أنه لا يعلم شيئاً”، ودائماً ما يحاول تعلم المزيد عن طريق تقصي الحقائق بينما يقر بجهله. وهو الشخص الذي يبحث عن التعلم أكثر من التعليم.
المشكلة: بينما ركز سقراط في عدة محاورات على التعلم أكثر من التعليم، إلا أنه قدم بعض الآراء التي يمكن أن تُفسر بالمواقف الحازمة. وباستثناء تلك الآراء، سنجد أنفسنا أمام القليل من المعلومات، والأسوأ من ذلك أن هذا قد يستبعد بعض المحاورات التي تبدو حقيقية بشكل معقول.
3. سقراط الحقيقي هو ذلك المذكور في المحاورات الحديثة لتلميذه أفلاطون.
المشكلة: لسنا متأكدين تماماً من تاريخ كتابة كل من تلك المحاورات، فيبدو بعضها أنه كُتب قبل الآخر حيث أنه يرجع إلى أحداث مسجلة، وكذلك لا يمكن التيقن من تاريخ كتابة البعض الآخر. وما زال ذلك هو الأكثر شيوعاً فيما يتعلق بوصف سقراط الحقيقي.
4. سقراط كان الشخص الذي حوّل اهتمام الفلسفة اليونانية من طبيعة الواقع إلى الأخلاقيات ولم ينشىء نظرية المُثل.
المشكلة: بعض المحاورات السقراطية التي تتركز على الأخلاقيات ما زالت تناقش الميتافيزيقيا أو تدلل على وجود المثل التي فسرها أفلاطون فيما بعد، ومجدداً يترك لنا هذا القليل للعمل عليه.
إن لغز كينونة سقراط الحقيقية قد يبدو مستحيلاً حله لافتقارنا لوجود المصدر الذي قد نحصل منه على نسخ من مذكراته الشخصية. وحيث أنه لم يكتب تلك المذكرات، كل ما بوسعنا فعله هو الاعتماد على كتابات الآخرين. وبالرغم من ذلك، فإن تأثير سقراط على الثقافة الغربية كان هائلاً، فقد استفدنا من أعماله، ونحن جميعاً ورثة التعاليم الفكرية الذي ساعد على صياغتها. أما ماهية هذا العمل بالتحديد، قد لا نعلم هذا أبداً.
ولكننا على الأقل نعلم أننا نعلم القليل، ولعل هذا ما أراده في المقام الأول.
المقال باللغة الانجليزية: هنا