ترجمة: مينا محمد
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الغلاف: حسام زيدان
تأليف: زينا زو
6 نوفمبر 2017
في كانون الثاني من العام 2005، وفي مؤتمرٍ رعاه المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، أشار (لورنس سمرز)، رئيس جامعة هارفارد بوقتها، إلى ندرة وجود الإمكانات العقلية النسوية في التخصصات العلمية في الجامعة. ثم اقترح بأن التفاوتات البيولوجية بين الرجال والنساء قد تكون جزءاً من السبب؛ لقد كنتُ طالباً في جامعة هارفرد في ذلك الوقت أدرس الكيمياء الحيوية، وتحيط بي العديد من النساء متقدات الذكاء في قاعة الدرس والمختبر. لم أعطِ أهمية لملاحظات (سمرز) وقتها، ولكن تبين لي بعدها، من خلال النقاش الذي انعقد في المؤتمر، بأني لم أعتد على مناقشة الاختلاف العضوي بين الرجال والنساء، وأشك بأن أحداً من زملائي كان مهتما بهذا الاختلاف كذلك، فالاختلافات الجنسية نادراً من تتم مناقشتها في إطار البحث العلمي.
كما أيقنت لاحقاً، أن تلك النقاشات مهمة على الصعيد الطبي، وقد تكون مسألة حياة أو موت، لكنها غالباً ما تكون مهملة، فالنساء يمُتن بسبب أمراض القلب بمعدلات أعلى من الرجال، لكن الأمر غير ممثل بشكلٍ كافٍ سريرياً؛ الرجال يمثلون ثلث المصابين بكسور الحوض بسبب هشاشة العظام، لكنهم لا يُشخصون ولا يُعالجون بشكلٍ صحيح، ربما لأن الأبحاث المتعلقة بهشاشة العظام تميل للتركيز على النساء. المشكلة تتوسع لتشمل الأدوية أيضاً، فثمان من أصل عشرة أدوية، سُحبت في الولايات المتحدة بين عامي 1997 و2000، كانت تسبب مخاطر صحية للنساء أكثر من الرجال.
عبر السنين، اقترح صناع السياسة عدة حلول. عام 1993 أنشأت المعاهد الوطنية للصحة توجيهات تتضمن شمول النساء كمواضيع للبحث السريري، وفي العام الماضي طلبت الوكالة أن يكون تضمين الجنس كمتغير بيولوجي في البحوث ما قبل السريرية. النظراء الكنديون للمعهد الوطني للصحة طلبوا أن تكون كل المنح الدراسية تتضمن سؤال ما إذا كان الجنس محسوباً بدراستهم، أو توفير الأسباب المنطقية لغير ذلك؛ بتلك الأثناء، المعاهد الوطنية الصحية الأوروبية، والعديد من المؤسسات الأخرى بدأت باتخاذ خطوات لزيادة عدد النساء في مجالات للبحث العلمي، ولكن هل يمكن أن تتواجد علاقة ما بين تحسين نوعية البحث وزيادة تنويع الباحثين؟
كان هذا السؤال خلف دراسة نشرت بمجلة “Nature Human Behaviour” من قبل (ماثياس نيلسون) المتخصص بعلم الاجتماع والمتدرب بجامعة ستانفورد، وفريق مكون من باحثين هولنديين وأمريكيين؛ فقد أجرى الفريق مسحاً لمليون ونصف بحث حول العالم، نشرت بين عامي 2008 و2012 تم خلالها تحديد ما إذا كانت امرأة هي المؤلف الأول للبحث (في إشارة إلى إنها ساهمت بشكل فعّال في الدراسة) أو المؤلف الأخير (في إشارة إلى إنها على الأغلب صممت الدراسة). نيلسون ومعاونيه كذلك سجلوا نسب النساء في كل مجموعة، وحسب استنتاجهم، كلما ساهمت النساء بإنشاء وتنفيذ الدراسة، كلما كانت الدراسة مرتبطة بالعوامل الجنسية أو المرتبطة بالجنس.
النتائج تشير إلى جانبين مهمين ضمن مشاكل اختلاف الجنس، وكلا الجانبين بحسب (نيلسون) مهمان ولأسباب متنوعة؛ الأول هو أن النساء يقعون على الهامش عندما يأتي الأمر للبحوث الطبية، بنسبة مشاركة 35 في المئة من بين جميع المؤلفين الرئيسين للدراسات، و27 في المئة كمؤلف أخير، وبحسب (نيلسون) فإن “هذا بدوره له تأثيره على صلاحية البحث وإمكانية تطبيقه”. معظم الجامعات ومؤسسات البحث في طريقها لزيادة أعداد النساء، ويعتقدون أن ذلك قد يحل العديد من المشاكل، ولكن، وبحسب (لوندا شيبينغر) إحدى المؤلفات المشاركات مع (نيلسون)، فإن “الجامعات لا تعرف كيفية علاج جوانب المعرفة، وأظن أن المهم في دراستنا أنها توضح الارتباط بين قضية المشاركة والتنوع في الفريق والمخرجات المعرفية الممتازة”.
إن تحديد الارتباط لا يدل على السبب والنتيجة بالطبع لكنه يشير إلى أنه كلما زاد التنوع في فريق المؤلفين، كلما أدى ذلك إلى منهجية بحثية أكثر نجاحاً. في مقال نشر مؤخراً هذا العام في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، وصف (نيلسون) و(شيبينغر) وآخرون هذه المسألة بأنها “تحصيص الابتكار”، وأشاروا كذلك إلى دراسة أجريت عام 2010 اقترحت أن قدرة فريق ما على إنجاز عدة مهام بشكل فعال -كحل الألغاز البصرية واتخاذ قرارات ذات مغزى أخلاقي- له علاقة مباشرة بالتنوع الديمغرافي لأعضاء الفريق، وأن الفريق الذي يحوي نساءً أكثر بين أعضاءه، يحقق فعالية أكبر في المشاركة، ربما لأن النساء “تظهر مستويات عالية في الإدراك الاجتماعي” أكثر من زملائهم الرجال؛ إلا إن العبقرية الجماعية هذه، كانت أقل تمثيلاً في فرق مكونة بشكل كامل من النساء، لذا فإن التنوع هو الحل.
دراسة أخرى نشرت في شباط في مجلة (جاما للطب الباطني) أوضحت بشكل أعمق أهمية الجنس بوصفه متغير مهم للبحوث ووسيلة للمختصين بمجال الطب في كيفية تعاملهم مع الآخرين. الدراسة اختبرت معدلات الوفيات ومعدلات دخول المشفى لأكثر من مليون شخص من كبار السن المحتاجين للعناية الطبية، وبينت النتائج أن الأشخاص الذين تمت معالجتهم من قبل معالجات نساء تحسنوا بشكل أفضل من الأشخاص الذين تمت معالجتهم من قبل معالجين رجال. الدراسة لم توضح الأسباب لكنها بينت “أن النساء أقرب لممارسة الطب المعتمد على الأدلة والبراهين، وعرض فحوصات موحدة، وتوفير عناية أفضل للمرضى”. الدراسة أوضحت مسائل مهمة بكيفية اختلاف الرجال عن النساء، وكيف أن هذا الاختلاف يؤثر على العناية بالمرضى، وهذا هو السبب الرئيس لدراسة الجنس كمتغير بيولوجي لأنه مهم للمرضى والاخصائيين على حد سواء.
في الوقت الذي لا تزال فيه النساء تكافح في سبيل الحرية والمساواة وتعاني من التحرش الجنسي والعنف المنزلي ولزيادة تمثيلهن في مجال السياسة وإدارة الأعمال والعلم والطب ونفس الحقوق التي تمتع بها الرجال لوقت طويل، ربما يبدوا من غير البديهي أن يقوم العلماء بتوضيح الفروقات الجنسية بينهم وبين الرجال. بالنسبة لـ (شيبينغر) فإن هذه تعتبر مساحة مناسبة لالتقاء السياسة الجيدة بالطب الجيد؛ “تفترض المجتمعات الديمقراطية أننا نحتاج إلى التماثل لكي نحصل على المساواة، لكنها ليست الحالة ذاتها فكرياً، إذ يجب أن نكون قادرين على الحصول على مساواة سياسية مع امتلاكنا لاختلافاتنا”.
الرابط باللغة الانكليزية: هنا