ترجمة: تغريد فاضل ياسين
تدقيق: نعمان البياتي
كلنا نعلم أن التقدم في السن أو الشيخوخة ذات سمعة سيئة، لكن المرض وعدم الراحة بعيدة عن الصورة الكاملة؛ حيث يدعونا للنظر في الموضوع من وجهة نظر أخرى، البروفيسور (ديليب جيست) الأخصائي في الطب النفسي وعلم الأعصاب من جامعة كاليفورنيا، سان دياغو، ومدير مركز (يو سي اس دي) الذي يعتني بصحة المسنين.
في حوار أجرته معه جريدة (نوتيولس)، أشار (جيست) بأن بعض الأمور تصبح أفضل عند التقدم في العمر، مثل القدرة على اتخاذ القرارات، والسيطرة على المشاعر، والتعاطف مع الآخرين، بمعنى آخر، نصبح أكثر حكمة عند التقدم في العمر. يناقش ذلك بقوله، أن تحدي الشيخوخة الجيدة، بأن تكون متفائلاً، وتقاوم ضغوط الحياة، وأن تكون استباقياً ومتوقد الذهن، وتقطف ثمار وفوائد التقدم في العمر وتجعلها تزدهر من خلالك؛ بالمقابل فإن التحدي بالنسبة للأطباء ليس في إطالة العمر بل في زيادة الحياة الصحية.
التقت (نوتيلوس) بـ(جيست) في وقت مبكر من هذا الشهر وسألته بعض الأسئلة.
ماهي الشيخوخة الناجحة؟
هناك ثلاثة مجالات تتعلق بالشيخوخة: فيزيائية وإدراكية ونفسية اجتماعية. إن معظم الناس ينظرون إلى الشيخوخة كشيخوخة فيزيائية بدنية، وهذا يسبب انطباعاً سلبياً وتحيزاً ضد موضوع الشيخوخة، أما بالنسبة لموضوع الإدراك والشعور، فمرة أخرى، يحدث أمر متشابه، إذ يبدأ بعد بلوغ منتصف العمر، فالنقل بين 60 سنة أو ما يقارب ذلك، حيث تأخذ الذاكرة والقدرات الأخرى بالتدهور، وعلى أية حال، فإن الفعاليات النفسية الاجتماعية المتعلقة بالشيخوخة تعتبر مهمة في الحقيقة، ولكن عادة لا يتم تعلمها ودراستها، ولا تتضمن مفهوم التقدم في العمر.
لذلك نتساءل عن ماهية الشيخوخة النفسية الاجتماعية؟ الإجابة أنها تتضمن أموراً مثل، أن نكون بخير، والسعادة، ونوعية الحياة، والسيطرة على المشاعر والأحاسيس، والعلاقات الاجتماعية. إن مثل هذه الأمور هي التي تهم معظم الناس، والتي يحتاجون إلى وجودها. إن الشيخوخة الناجحة تعني في الأساس بأن يكون المرء بخير وسعادة كبيرة، وليس فقط الوصول إلى هذه المرحلة العمرية المتقدمة، ولكن بنجاح بل وأكثر من ذلك، وبتألق أيضاً.
ألا يفترض بالشيخوخة أن تكون مجهدة؟
في المراحل المتقدمة من العمر، يظهر الكثير من التوتر في بعض المجالات، كالأمراض، والعجز، ووفاة الأقرباء والأصدقاء، والمشاكل المالية، والتقاعد، وفقدان الشعور بوجود هدف في الحياة، كلها عوامل تؤدي إلى الشعور بتوترات حقيقية في مرحلة التقدم في العمر.
ما يهم في الأمر هو كيفية استجابتك للتوتر، فقد قمنا بوضع دراسة عن حوالي ألفين من الناس من عمر 21 سنة إلى 100 سنة وأكثر، ونظرنا إلى صحتهم البدنية، ووظائف الإدراك، وكذلك ما يتعلق بالوظائف النفسية الاجتماعية؛ ما وجدناه أن الصحة تتدهور في منتصف العمر، وهذا ليس مفاجئاً، ووظائف الإدراك والشعور تبدأ بالانحسار عند كبار السن، وهذا ليس مفاجئاً أيضاً، لكن الأمور المتعلقة بالفعاليات النفسية الاجتماعية، والمتضمنة بأن يكون المرء بخير، وتقدير قيمة الحياة، والسعادة، تتقدم تدريجياً في مرحلة الشيخوخة. إن المتقدمين في العمر يسيطرون على موضوع التوتر بشكل أفضل من الذي يكون في العشرينيات أو الثلاثينيات من العمر، فإنك عندما تكون في عمر مبكر وتجري الأمور بشكل خاطئ يتواجد احتمال كبير في أن تتحطم نفسياً، ولكن عندما تكون في عمر متقدم، ويحصل خطأ ما فإنك تقول “حسناً، هناك أمور أخرى ستكون بخير”.
هل نصبح أكثر حكمة عندما نكبر في العمر؟
أظهرت الدراسات التجريبية بأن المتقدمين في العمر أفضل من الأصغر عمراً فيما يخص السيطرة على المشاعر، ومعرفة أنفسهم بشكل أفضل، واتخاذ قرارات أفضل والتي تحتاج إلى خبرتهم في الحياة، ولديهم تعاطف ومشاعر تجاه الآخرين، هذه هي الأمور المتضمنة للحكمة، وكذلك الأمور المتضمنة للحكمة التي يمكننا زيادتها خلال التقدم في العمر.
أين تتواجد الحكمة باعتقادك؟
إن الخلايا العصبية، بالمعنى الواسع، تشتمل على منطقتين، إحداها الفص الجبهي للقشرة والتي تمثل أحدث جزء في تطور الدماغ، وهي الجزء الذي يجعلنا آدميين، والجزء الثاني هو اللوزة، وهو الجزء المشدود الرخو لدينا، وهو أقدم جزء في تطور الدماغ وهو موجود في أدمغة الحيوانات الأخرى كذلك.
إن الحكمة هي التوازن بين الإدراك والعاطفة، فهي التوازن بين الأنانية والسلوك الاجتماعي، والتوازن بين الأمور التي تساعدك والأمور التي يجب عليك فعلها لأنها أشياء جيدة للبقاء من الناحية الاجتماعية؛ هذا ما تظهره الخلايا العصبية.
هل هناك استراتيجيات لشيخوخة ناجحة؟
نعم، توجد بعض الاستراتيجيات، ومرة أخرى، فهي ناجحة بالنسبة للتقدم في العمر من الناحية الفيزيائية الجسدية، وكذلك من ناحية الإدراك والشيخوخة النفسية الاجتماعية، وهناك براهين قوية متعلقة بذلك؛ الأول ضبط السعرات الحرارية، والثاني النشاط الفيزيائي والتمارين، فهي مهمة جداً، حتى المُقعدون يمكنهم القيام ببعض النشاطات البدنية؛ ثم هناك موضوع المحافظة على نشاط الدماغ، والقيام بفعاليات فيها شيء من التحدي دون التوتر، تليها العلاقات الاجتماعية، درجة مناسبة من التواصل الاجتماعي؛ ثم يليها التصرف أو السلوك، ومقاومة الضغوط، والتفاؤل، والتعاطف مع الآخرين، والقيام بأشياء للآخرين، والنشاطات التطوعية. إن أثر هذه الأمور يظهر في إعطاء هدف للحياة، وجعلك تشعر بسعادة أكبر، وهنالك استراتيجيات أخرى كالتأمل والاسترخاء للتقليل من التوتر والضغوط.
هل هناك مرحلة في أبحاث التقدم في العمر تشعر بأنها لا تحصل على اهتمامٍ كافٍ؟
نعم، أعتقد حقاً بأن تركيز الدراسات حالياً ينصب على موضوع الشيخوخة عموماً والعناية بالصحة خصوصاً، وذلك لمعالجة العجز والأمراض، وبدلاً من ذلك، ينبغي التركيز على منع حدوثها أصلاً؛ والمنع لا يبدأ في سن 65، فالشيخوخة لا تبدأ في سن 65، بل تبدأ مع بداية الإدراك.
إن الاستراتيجيات التي ذكرتها، مثل المحافظة على نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، وإبقاء الذهن نشيطاً، والعلاقات الاجتماعية، والقيام بأشياء للآخرين، وغيرها، تحتاج لأن تحدث بشكل صحيح منذ الطفولة المبكرة. نحتاج إلى تعليم كيفية مقاومة ضغوط الحياة والتفاؤل وحب الحياة في مدارسنا للصغار وللبالغين في منتصف العمر. إذا فعلنا ذلك، فإن نسبة الإصابة بالعديد من الأمراض، مثل السكري، وأمراض القلب، والسكتة سوف تنخفض بشكل واضح.
لذا أنا في الحقيقة أرفض الإشارة إلى الشيخوخة على أنها شيء سيء، يصعب السيطرة عليه، أو مفاجئ، أو كارثة، أو أمر نريد تجنبه من خلال العلاجات المختلفة، بل يجب أن تنظر إلى المظاهر الإيجابية للشيخوخة والعمل على كيفية تطويرها.
ما هو شعورك مع تقدمك في السن؟
أنا في الحقيقة أشعر أني تعلمت من الخبرة بالعمر. لا أعلم إن كنت حيكماً أم لا، ليس هذا السؤال الصحيح، لكني فعلاً أشعر بأني أصبحت أكثر حكمة بمرور السنوات، أو أقلّ طيشاً بمرور السنوات، ضعها كما تشاء؛ أنظرُ حولي فأرى نماذج من الناس يمارسون حياتهم بشكل رائع خلال تقدمهم في العمر، وأرى آخرين يضيعون حياتهم عندما يكبرون بالسكون والجمود وكثرة الشكوى حول الأمور، لذلك أنا أعتقد بأن البحث الذي قمت به هو مطابق لما أشعر به.