بقلم: جيلز واتيلز
ترجمة: أحمد الوائلي
————————
عالم الأحياء ومؤلف كتاب “الجين الاناني” يتحدث مع جيلز واتيلز عن مذكراته، وعن الإساءة التي تعرض لها في طفولته، وماذا يعني للمُلحد عندما يُصنف كـ متعصب.
سيكون من المخيف نوعاً ما أن تحاول عدّ الصور الموجودة في الطابق السُفلي لمنزل ريتشارد دوكنز، ولكن الادلة أدلة. معظم هذه الصور هي في الحقيقة جوائز، ولكن الرقم هو المهم: 21 شهادة دكتوراه فخرية إضافة إلى جوائز عالمية مؤطرة ومعلقة بجانب شهادة معرض كرافت دوكَ لسنة 2008.
ألكلاب تنبح في كل مكان. المرحاض يقع في مقدمة الردهة حيث يقودنا أعظم ملحدين بريطانيا عبر غرفة الجلوس مروراً بالمطبخ ألذي يحتوي على شرفة مرصّعة بطنّين من الحجر الجيري وطاولة صغيرة مصنوعة خصيصاً لهُ من الساحل الجوارسي في دورست، لقد حافظ عليها إضافة إلى المئات من الحفريات الصغيرة.
من السهل جداً أن يكون ريتشارد دوكنز موضع حسد. ذو شخصية هادئة ومتعاطفة تشمل حتى منتقديه من ضمنهم كبير الحاخامات والبروفيسور بيتر هيكَز، ولديه أيضا الكثير من الاعداء (مئات الالوف منهم بسبب تغريدته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، حيث قال بأن جامعة ترينتي في كامبريج حصدت لوحدها جوائز نوبل تفوق ماحصل عليه المسلمين مجتمعين)، رغم ذلك، فهو يتمتع بتأييد ضخم جداً. كتب ريتشارد دوكينز 12 كتاباً من بينهم إثنان يُعتبران أساس صُنع عهد فكري جديد. لديه منزل كبير شمال أوكسفورد، وهو عالم أحياء تطوري رائد وعازف على آلة الكلارنيت ألآلي.
لم يَفُز بجائزة نوبل، ولكن، ونحن نجلس على الطاولة الجوارسية تحت ضوء الشمس، يقول بسخاء أن العديد من أقرانه يستحقون جائزة نوبل على ماقدموه للعلم أكثر مما هو يستحقها.
أحد العلماء الذين أوصى بهم ريتشارد دوكنز إلى لجنة جائزة نوبل هو العالم ستيفن بينكر Steven Pinker من جامعة هارفرد. كتاب بينكر “الملائكة أفضل من طبيعتنا” يوضح تراجع العنف في المجتمع البشري جزئياً والتي يدعوها دوكينز “مواكبة الاخلاق لروح العصر” وهذا يعني أننا أصبحنا أقل وحشية ونستهجن الاشياء السيئة أكثر مما كان أسلافنا يفعلون.
دوكينز مبهور بكيفية أن التجاوزات في هذهِ الايام تختلف بشكل كبير عن ما كانت عليه في الماضي القريب، وأضاف بأنه يسترجع واحدة من ذكرياته الحيّة: “كنت أسير على طول جادة التلغراف، محور المخدرات في بيركلي. كان يوجد شاب يسير أمامي، يرتدي علامة الجيل المميزة “زهرة السُلطة”. في كل مرة تمر أمامهُ أمرأة شابة، كان يسير في الاتجاه المعاكس، ثم يمد يده ليقرص أحد ثدييها، وبدلاُ من أن تصفعه أو تصرخ او تبكي، كانت تكمل طريقها وكأن شيئاً لم يكن.. واليوم، أجد أن هذا الشيء مستحيل”.
ويضيف بأنهُ سعيد كيف تغيرت الأمور بالنسبة للتحرش على مدى السنوات الـ40 الماضية, ولكن في مناسبات اخرى عندما تُدير الأخلاق المعاصرة رأسها -كما في تعرض الفتيان في المدارس الداخلية او المكاتب للضرب، على سبيل المثال- يصبح الأمر مثيراً للغضب. وأضاف “واحدة من المُدرسات في مدرسته العامة، أوندل، كانت عِرضة للوقوع في حب الفتيان الوسماء. لكن ذلك لم يحدث، حسب ما نعرفه. وقد يذهب الامر لأبعد من ذلك كأن يضع احد الفتيان ذراعه حول خصرها او يسُمعها كلمات موحية، لكن في الوقت الحاضر من الممكن أن يكون ذلك سبباً كافياً لكي توقعك في مشاكل كبيرة مع الشرطة أو حراس المدرسة والصحف الشعبية”.
– هل أنت مذنب لأنك تُبرر شيء سيء فقط لأنهُ حدث في الماضي؟
“أنا مُدرك تماماً بأننا لا يمكن أن نُدين شخص من الماضي وفقاً لمعاييرنا. كما يجب ألّا ننظر إلى الوراء في القرنين الـ 18 و 19 لِنُدين الناس بسبب العنصرية كما نُدين شخص على عُنصريته في الوقت الحالي، وأنا أنظر عدة عقود ألى الوراء، إلى طفولتي، أرى أشياء مثل الضرب بالعصا أو الاعتداء الجنسي على الاطفال، هذهِ الاشياء لايمكن أن أدينها بنفس المعايير التي أُدين بها شخص يقوم بنفس الفعل في وقتنا الحالي”.
– إن ذكر الاعتداء الجنسي على الاطفال يجلب لنا ذكرى القبض على الرجال البيض المتقدمين في العمر والمتهمين بالاعتداء الجنسي على الاطفال، مثل جيم سافيل. هل تبرر الاخلاق المعاصرة مافعلوه؟
“أعتقد أننا يجب أن نعترف أن هذهِ هي نقطة واحدة.. ألنقطة الاخرى هي أن الحالات الأكثر شهرة من أستغلال الاطفال جنسياً تشمل حالات الإغتصاب وحتى القتل، ونحن نُشير بعنوان “الاعتداء الجنسي على الاطفال” إلى نفس الشيء عندما يكون مجرد لمس خفيف، يجب علينا أن نحذر من الخلط بين الفئات المختلفة من المتحرشين”.
– أذاً، هل هناك مخاطر من القتل “مجازياً” بأسرع وقت ممكن للأشخاص المتهمون؟
“أعتقد أن هناك خطرا في ذلك”.
– ماذا عن فضائح الاعتداء الجنسي على الاطفال والتي أدت إلى تألم الباحثون عن الذات في مختلف المواقع المسيحية؟
“نفس الشيء. على الرغم من أنني لست صديقاً للكنيسة، إلا أنني أعتقد أنهم أصبحوا ضحايا للمعايير المتغيرة ونحن بحاجة لتطبيق المعاهدات المؤرخة حول التعامل الجيد في القضايا التي يبلغ عمرها عدة قرون”.
في كتابه، يذكر دوكينز حالة واحدة حدثت معه في إحدى المدارس الاعدادية في سالبوزري، حيث وضع أحد المعلمين يدهُ أسفل سرواله، وأربع حالات أخرى حدثت في أوندل، ولكن، لايبدو أن الحالات الاربعة قد أزعجته بقدر ما أزعجته حادثة المدرسة الاعدادية في سالبوزري، ولكنه لازال مصرّ على عدم إدانة تلك الحادثة، ويُرجع ذلك إلى نوع من المقارنة بين عقله الواعي المتعلم وجرائم القتل الجماعي التي قام بها جنكيز خان في القرن الثاني عشر. وأضاف: “بدون التغاضي عمّا حدث، على الاقل حاول أن تضع نظارات تجعلك تفكر بأسلوب تفكير تلك الحقبة الزمنية، وحاول أن ترى الحادثة بتلك النظارات. بالنسبة لي، أجد صعوبة كبيرة في وضع تلك النظارات بسبب القسوة والوحشية التي حدثت في الماضي، من الصعب أن تفكر بالغفران وأنت تستخدام المعايير الحديثة، قد يكون نفس الشيء للمدرس الذي لمسني، لكنه في الواقع لم يقم بأي عنف جسدي”.
لقد كانت لحظة مظلمة ونادرة في طفولة نوعا ما كانت مميزة، لقد أمضى حياتهُ في نعيم منحدرات جنوب أفريقيا، حيث كان والدهُ موظف عند السلطات الاستعمارية. إنتقالهُ إلى إنكَلترا في سفينة بضائع تابعة للقوات الاستعمارية سبب له صدمة، والعيش مع ألاجداد الذين أجبروه على قول “صباح الخير” عند الجلوس على مائدة الافطار سبب له ضغوطات عديدة. في عمر الـ 13 أصبح “ديني متشدد” وتمت الموافقة عليه في كنيسة إنكَلترا. في عمر الـ 17، بعد أن قرأ عن الاديان الاخرى، أصبح “مناهضاً للدين”.
كان شاباً خجولاً وجميل، وهي صفات غير مرغوبة في أوندل. وواجه صعوبات كبيرة في التحدث مع الفتيات. “لم أخسر عذريتي ألا بعد وقتٍ طويل، في سن الـ22 تحديداً، كان هناك عازفة جلو في لندن، لقد خلعت ملابسها من اجل ان تعزف لي في دارها، وبعدها، خلعت كل شيء”.
في حديقة منزله الخلفية، هو ليس حاداً أو متشدد إطلاقاً، كيف يكون متشدد وهو نفسه الذي قام بالعديد من الجولات لمناقشة العامة من الناس حول موضوع الخلق!، كل مافي الأمر أن الموضوع يحتاج هدماً بلا رحمة لمنع الجمهور من الاعتقاد بأنهم يملكون حجج منطقية. كما يبدو أنهُ لايمكن ان يتجنب الحِدة حتى على تويتر (حصل على 795 الف متابع خلال ثلاث أشهر) أو حتى في حلقات النقاش. أحد المتكلمين أيضاً، ألذي تابعه أكثر من ربع مليون شخص على يوتيوب، نيل ديغراس تايسون، عالم ألفيزياء الفلكية الأمريكي، يتساءل عمّا إذا كانت هجمات دوكينز “الصريحة والواضحة” على الخرافات بجميع أشكالها لاتأتي بنتائج معاكسة في بعض الاحيان. أجابه دوكينز بإقتباس من كلام رئيس التحرير السابق لمجلة New Scientist الذي قال ذات مرة: “فلسفتنا هيَ: العلم مثير للإهتمام، وإذا كُنت غير مقتنع بذلك فـ تباً لك”. وفي المرة الوحيدة التي قامت فيها جريدة التايمز بمقابلة معهُ عن بعد، سُئل عن رده على كلام البروفيسور هيغز، الذي قال بأن دوكينز “أصولي متطرف” كما صرّح بذلك لصحيفة اسبانية. ولكن، ما الجديد في ذلك؟ دوكينز يدرك تماماً بأنه أصولي.
“هيغز هو فيزيائي عظيم، وأنا معجب بهِ كثيراً” عندما قال دوكينز هذه الجملة، وكأنك تشعر بأنهُ سيُلحقها بـ”لكن” في النهاية. ويُكمل: “من السهل أن تندفع لتقول لشخصٍ ما بأنهُ أصولي، خصوصاً أذا كُنت (ربما) لم تقرأ الكتب التي ألّفها ذلك الشخص، بالطبع، ليس من شأني أن اعرف السبب الذي منع هيغز من قراءة كتبي، ولكن، يبدو أن وصفي بأني (أصولي متطرف) أصبح جزءاُ من الفلكلور. أما الناس الذين قابلوني وجها لوجه أو قرأوا كتبي على الاقل لايميلون لقول ذلك”.
– لعل كثرة الانتقادات التي توجّه إليك تٌشعرك بالإلتزام تجاه تغيير تفكير المؤمنين؟
“لماذا لانترك للناس بأن يعتقدوا مايريدون ويصدقوا ما يشاءون؟ حسناً، بالطبع يمكنهم أن يؤمنوا بما يريدون! ولكن عليهم فقط ألّا يقرأوا كُتبي، هذا كل شيء!”.
مشكلة دوكينز مع الدين معروفة جداً، ودرجات الاحتقار التي يشعر بها تجاه العقائد والأفكار الدينية، نوعاً ما، أقل إحتقاراً من الدين نفسه. في الوقت الحضار، الخُلقيين (أتباع نظرية الخلق) يُثيرون اليأس في قلبه ويشعرونهُ بالضجر. لم يعد يتحمّل أن يخوض نقاش معهم. وقد أعتمد على نصيحة عالم الأحياء التطوري الراحل ستيفن جاي غولد، حيث قال لهُ: “في اللحظة التي يقبل بها أتباع نظرية الخلق دعوتك، فأعلم بأنك قد فُزت”، كما يتذكر دوكينز جيداً عندما قال له ستيفن: “هذا بالضبط هو مايريدونه، يريدون أن يتنفسوا اوكسجين الاحترام، أن يُنظر إليهم وَهُم على المنصة إلى جانب عالمٌ حقيقي”. وقد ذكر على وجه التشبيه بأن الطبيب النسائي لن يقوم بأي مناظرة مع المؤمنين بنظرية الخلق حول موضوع الإنجاب.
لقد ألتقى دوكينز عدة مرات مع رئيس الاساقفة روان ويليامز، رجل مهذب لايستيطع أحد أن يفعل شيء سوى أن يحترمه، يقول دوكينز: “أعتقد انهُ رجل لطيف للغاية وجميل، أنا فقط في حيرة من طريقة تفكيره بصورة عامة”.
العهد القديم يُصيب دوكينز بالحيرة أيضاً، وتكمن مشكلة دوكينز بالمتمسكين بالعهد القديم. الفصل الثاني من كتابه “وهم الإله” يبدأ بـ: “إن العهد القديم ذو طابع بشع وواسع الخيال، إله غيور ويفتخر بذلك. تافه، ظالم، لايرحم مهووس بالسيطرة. لذلك، كل شخص عِرقي حاقد سيكون متعطش للدماء”. وهكذا دواليك. في العام الماضي، دعا اللورد ساكس، الذي كان الحاخام الكبير في ذلك الوقت، دعا هذا الوصف بأنهُ “معادياً للسامية”. دوكينز أعترف بذلك، ولكنهُ قال: “انها أساساً كانت مزحة، ولكن يبدو أن اللورد لم يفهمها جيداً”.
دوكينز يقول عن ساكس بأنهُ: “مثال للرجل اللطيف الذي لا أود أن ألقي النقد الصريح بوجهه، لكنهُ بدأ يقول ذلك عني لأني هاجمت الإله، ويصنّفني كـ مُعادياً للسامية، وكأن الله يهودياً، وهو الامر الذي واجهتهُ من يهود آخرين”. أما بشأن تذمر دوكينز من المعاملة القاسية التي يتلقاها إله العهد الجديد من إله العهد القديم، فيقول دوكينز: “نعم، إله العهد القديم هو أكثر شراً من إله العهد الجديد، إنها واحدة من الاشياء التي لا يملّ المسيحيين من قولها لنا. وبالتالي، ليس هناك أي اختلاف في وجهة نظر الملحد المسيحي مع وجهة نظر الملحد اليهودي، كما يقول ساكس”.
هل هو مهتم بشرح كيف أنتهى به الامر متزوجاً لثلاث مرات؟ كلا، ليس مهتماً إطلاقاً، سوف يعترف بشيء واحد، لديه أبنه وحيدة، جولييت، طبيبة في كامبريج. لكنه لن يتحدث عن زوجته الاولى، ماريان ستامب، أستاذة سلوك الحيوان في جامعة أوكسفورد والتي ذهبت معه إلى بيركلي. ولا زوجته الثانية، إيفا بارهام، والدة جولييت، التي أنهت زواجهما سنة 1999، ولا عن زوجنه الثالثة، الكاتبة والممثلة لالا وارد، الزوجة السابقة لـ توم بيكر “Dr. Who” والتي إلتقى بها عن طريق صديق مشترك لهما، دوغلاس آدمز، بطل ومُنشيء عبادة “دليل المسافر إلى المجرة”
في السنة الماضية، قام دوكينز برحلة إلى القطب الجنوبي، ولكن خلاف ذلك، لايتذكر بأنه أخذ عطلة الهالويين إطلاقاً، لقد أصبح ظاهرة كبيرة بعد نشر كتاب الجين الاناني سنة 1976، حين كان عمره 35 عاماً، ألذي عمم فكرة أن أجسادنا لست إلا الات بقاء لجيناتنا. منذ ذلك الحين، بدأت شهادات الدكتوراه الفخرية تتراكم عليه، ومعها، الندم المتكرر: “لقد أهدرت وقتي في الدراسة! أنا أحسد أبناء جيلي الذين حصلوا على فرص ولم يستغلوها، ثم أبدأ في التفكير ‘أنت أحمق! لماذا لم تولي مزيداً من الإهتمام للإنظمام لنادي علم الفلك؟!”
ولكن ماذا كان من الممكن أن تكون لو لم تكن ما أنت عليه الان؟
– “كان من الممكن أن اعرف أكثر عن الرياضيات، كان يمكن أن أكون لغوي أفضل مما أنا عليه الان، كان من الممكن أن أقرأ الكثير من الكتب التي لم أتمكن من قراءتها”.
أصبح دوكينز، مؤلف الجين الاناني، يدعى بـ العبقري الأناني، بل والمصدر الداعم لنظريات وأفكار تاتشر. كل هذا هراء بالنسبة لهُ، جوهر الانانية يكمن في الجينات، ولكن حتى مع ذلك فقد يكون هناك فراغ داخلي، كان يتمنى أن يملأ هذا الفراغ بتحسين الذات وتطويرها بدل من أداء الاعمال الخيرية.
“لم أثحرّك ساكناً لإيقاف الاعتداء البشع”
مقطع حصري من مذكرات ريتشارد دوكينز:
الكثير من حالات الاعتداء [في بستان مدرسة شَيّفن الثانوية] هي عبارة عن تبجّح واضح، والكثير من التهديدات غير مُجدية والتي كانت تصدح بشكل دائم “نعم! لقد وضعتك في قائمتي الخاصة بالذين سوف أضربهم!” كان أشبه بتهديد غامض فحواه “سوف تذهب إلى الجحيم عندما تموت” (ومع ذلك، للأسف، لا يتعامل الجميع مع هذا النوع من التهديدات على أنها شيء ضبابي مبهم وغير واقعي).
ولكن كان هناك حالات اعتداء حقيقة جداً، ولاسيما من أعضاء العصابات المتملقين لزعيمهم والملتفين حوله والراغبين بالموافقه عليهم ضمن العصابة. كان “الضحية” عالم يافع ورائع، ضخم، اخرق وصعب المراس، آراءهُ متقلبة. حتى أنه كان هناك عصابه تحمل أسمهُ [عصابة مكافحة ……] والهدف الوحيد لهذهِ العصابة هو جعل حياتهُ مليئة بالبؤس. كانت جريمته الوحيدة والتي جعلته مُحرجا طوال الوقت، هي عدم قدرته على مسك الكرة جيداً، وغير قادر على العمل إلا مع مشيتهُ المتميزة المترنحة عديمة الوقار، وكان ذكي، ذكي جداً.
لا أستطيع حتى أن أتخيل كيف يمكن لإنسان أن يكون قاسياً جداً، كيف يمكن للإنسان أن يخلو من العواطف؟ أنا لم أحرك ساكناً لإيقاف الاعتداء. وأعتقد أن هذا يرجع جزئياً إلى الرغبة في الحفاظ على سُمعتي الجيدة. إن السمة المميزة للمُعتدي الناجح هي أن يكون لديه عدد لا بأس بهِ من الأتباع الموالين. ونحن نرى هذا يتجلى بشكل واضح في الالفاظ القاسية والمتهجمة التي أصبحت كـ الوباء على صفحات الانترنت.
كيف يكون ذلك ممكناً؟ هذهِ التناقضات تسبب لي مشكلة إلى يومنا هذا، جنباً إلى جنب مع شعور قوي بالذنب. أحاول أن أوفّق بين الطفل والرجل الذي صرتُ عليه، وأظن، أن نفس الصراع يحدث مع أغلب ألناس. هذا ليس مكاناً مناسباً لمحاظرة فلسفية طويلة، لذا، سوف أكتفي بملاحظة، أن إستمرارية الذاكرة تجعلني أشعر كما لو أن شخصيتي بقت على حالها خلال حياتي كلّها، بينما أشعر بالأرتياب من أنّي نفس الشخص الشاب الفاشل عاطفياً.
كنت أيضاً لاعباً فاشل، ولكني كنت ألعب الاسكواش في المدرسة، في الحقيقة، لقد أصبحت مهووس بلعبة الاسكواش. لم أكن أستمتع بمحاولة الفوز على الخصم بقدر أستمتاعي بطريقة ضرب الكرة في الحائط وارتدادها، ورؤية كم من الوقت يمكنني أن أستمر في ضربها. أحد أسباب ترك الاسكواش خلال العطلة الصيفية كان غياب الصوت الساحر لإرتداد الكرة من الحائط، والرائحة المميزة لكرة الأسكواش المصنوعة من المطاط الاسود. وبقى حلم إمتلاك ملعب أسكواش خاص في مزرعتي يجول في خاطري.
وبالعودة إلى بُستان مدرسة شَيّفن الثانوية، كُنت أشاهد مباراة الأسكواش من صالة العرض، منتظراً نهاية المباراة لكي أنزل وألعبها بنفسي -كان عمري 11 سنة تقريباً- كان يوجد إلى جانبي مدير الصالة. لقد سحبني وأجلسني في حُجره ووضع يدهٌ داخل سروالي. لم يفعل أي شيء اخر سوى تحسُسي قليلاً، ولكنّهُ كان شيءٌ بغيض للغاية، ومحرج أيضاً. سرعان ما تمكنت من التملّص من حضنه، ركضت مُسرعاً لكي أخبر أصدقائي بماحدث، الكثيرين منهم كانوا قد مرّوا بنفس التجربه معهُ. لا أعتقد انهُ سبب ضرراً لأي منا، ولكن، بعد بضع سنوات، أنتحر. الجو الذي ساد عند صلاة الصبح أخبرنا بأن شيئاً قد حدث، كانت أحدى المعلمات تبكي. بعد سنوات عديدة في أكسفورد، جلس أسقف كبير إلى جانبي على طاولة مرتفعة في الكلية الجديدة، لقد تعرفت عليه في كنيسة سانت مارك. وبعد أن أنتشرت اخبار الانتحار والشائعات الكثيرة، قال لي بأن المعلمة التي كانت تبكي في الجنازة كانت واقعة بحب الرجل الشاذ الذي أنتحر، لم يكن أحد يتوقع ذلك.
———————
المصدر: اضغط هنا