في افضل تقاليد البيروقراطية, لداربا DARPA او- اربا ARPA كما كانت تسمى سابقا- بدأت مشاركتها بتطوير الانترنت بمذكرة. في ابريل من عام 1963 , مذكرة مؤرخة من كاتبها جوسيف كارل روبيت ليكليدر Joseph Carl Robnett Licklider , اثناء محاولته اللحاق بالطائرة. لا مفاجئة في ذلك : ليكيدر كان يقضي الكثير من وقته في الطائرات في تلك الأيام. و رحلته الأخيرة , كان قادما الى البنتاغون لادارة مكتب تقنيات معالجة المعلومات Informa¬tion Processing Techniques Office (IPTO) , الجهود الأولى لاربا لايجاد بحوث الحوسبة في ” القيادة و السيطرة “. و سافر الى كل ارجاء البلد في ذلك الحين مليئا بالحيوية باحثا عن شكبة من المحققين المنتشرين في أماكن عدة من مؤسسة راند في سانتا مونيكا في كاليفورنيا الى معهد ماساشوستس للتكلنوجيا في كامبرج.
مراحل اختراع و تطوير الانترنت
مهمة ليكليدر كانت لتكون اسهل لو كان استخدم خطوط أبحاث الحوسبة التقليدية –مثلا تطوير إدارة قواعد البيانات, او تطوير انظمة المعالجة فائقة السرعة. و الذي بالامكان ان يفوض العمل للشركات الرئيسية مثل أي بي ام IBM , و الذين سيكونون اكثر من سعداء بالمشاركة. لكن في الحقيقة , مع موافقة مديره , ليكليدر كان يدفع بقوة نحو رؤية أخرى للحوسبة.
بدء الهام الانترنت من مشروع لنكولن , و الذي بدء العمل به عام 1951 عندما فوضت القوة الجوية شركة أي بي ام IBM لعمل نظام على مستوى البلد يدير شبكة للإنذار المبكر للحماية ضد الهجمات النووية السوفيتية . الفكرة كانت راديكالية في ذلك الوقت كانت تهدف لأنشاء نظام يربط كل رادارات المراقبة و متابعة الأهداف و كل العمليات الأخرى بواسطة الحواسيب, و التي سوف تكون بواسطة الة MIT التجريبية المسماة واير وند Whirlwind و التي تعتبر اول حاسوب من نوع ” مشاركة الوقت الحقيقي” قادرة على الاستجابة للأحداث بشكل سريع لحظة حدوثها. مشروع لنكولن كانت نتيجته انشاء منظومة من 23 مركز كل منها يضم 50 شخص من مشغلي الرادارات , إضافة الى حاسوبين قادر على متابعة 400 طائرة بنفس الوقت. و هذا النظام الشبه الي للبيئة الأرضية (SAGE) سوف يكون اول شبكة بعيدة المدى حيث تسمح للحواسيب بتبادل المعلومات لـ23 مركز بواسطة خطوط الهاتف. ليكليدر الذي كان بروفسور في علم النفس التجريبي في MIT , قاد فريق من الباحثين النفسيين الشباب للعمل على تأثير العوامل البشرية لمشغلي الرادارات في مشروع (SAGE). و اكيد ان شيئا ما في المشروع اثار مخيلته. في عام 1957 القى خطاب حول “حقيقة نظام (SAGE)” و الذي لم يركز على الامن القومي و لكن ركز على دوره في تعزيز طاقة العقل. بدل من 23 مركز للدفاع الجوي تخيل ليكليدر شبكة تغطي كامل البلد “مركز التفكير” مع استجابة حواسيب مشاركة الوقت الحقيقي و التي تحتوي على مكتبة هائلة تغطي كل المواضيع التي نتخيلها. و بدل من مشغلي الرادارات هو تخيل العديد من المحطات التفاعلية , كل محطة قادرة على عرض النصوص و الاسئلة و الصور و الرسوم التوضيحية و أي نوع اخر من المعلومات. و في عام 1958 ليكليدر بدء بالحديث عن رؤيته حول تبادل المعرفة للآلات و الناس , بإمكان كل متفوق في العالم يحفظ لوغاريتمات الحواسيب عن ظهر قلب, من اختراع الوسائل الإبداعية – لكن سوية تكون قدرتهم اكبر بكثير من كونهم منفصلين. في عام 1960 في وصف في مقاله الكلاسيكي “وسائل الاكتشاف للحواسيب الشخصية” كتب عن تفاصيل فكرته بادئا اجندة أبحاث لتطبيق رؤيته بشكل واقعي.
و قد تمكن الان في ARPA بتسخير أموال البنتاغون لتنفيذ هذه الابحاث. في نظرة عامة للبرنامج الذي وضعه ليكليدر في الشهور السابقة الذي سوف يتطور الى ما يمكن اعتباره برنامج الأبحاث الأكثر نجاحا في التاريخ. ضم المشروع قائمة من الباحثين يعتبرون اعظم المخترعين في مجال الحواسيب في الولايات المتحدة الامريكية من الين نويل Allen Newell , هيربيرت سيمون Herbert Simon و الان بيرليس Alan Perlis من جامعة كارنجي الى جون مكارثي من جامعة ستانفورد و دوغلاس انجلبرت معهد أبحاث ستانفورد . و التقنيات التي طوروها تبدأ من البطاقات الرسومية و الذكاء الاصطناعي الى نظام التحكم بالفأرة , و التي قادت الى الحواسيب التي نعرفها اليوم. و اهم مشروع اعتمد عليه ليكليدر ليبدأ عمله كان مشروع MAC التابع الى MIT , و الذي اعتبر اول تجربة على المستوى الكبير في الحواسيب الشخصية. مدراء مشروع MAC لم يأملوا ان يكون الحاسوب بمتناول أي شخص, بسبب غلاء ثمنها و الذي يبلغ عدة مئات الالاف من الدولارات . و لكنهم نشروا عدد من المحطات البعيدة في انحاء الحرم الجامعي و في منازل الناس. و مستخدمين تكنلوجيا مشاركة الوقت استطاعوا اشعار حاسوبهم المركزي الكبير لعمل معالجة بسيطة للوقت بشكل سريع جدا جدا , و بإمكان كل مستخدم ان يشعر اذا تمت الاستجابة له بشكل منفصل في نفس الوقت ام لا. و في منتصف الستينات طرح مشروع MAC اول مجتمع رقمي، و التي تطورت فيما بعد الى البريد الالكتروني و الصداقات الافتراضية و مصادر تبادل البرمجيات و القرصنة.
من الصعب ان ندرك الان كم كان باحثي برنامج ليكليدر ناجحين و كم كانوا ملهمين. حيث كانت شركات الحواسيب مثل IBM و الشركات أخرى لصناعة الحواسيب تعمل باتجاه اخر تماما في ذلك الوقت, حيث كانت صناعة بطاقات المعالجة و الالات المعالجة السريعة الملائمة لاحتياج عالم الاعمال هو الاتجاه السائد في حينها. حيث كان الراي السائد لمهندسي الحواسيب بان مشروع ARPA خاطئ تماما. حيث اعتبر استخدام الحواسيب لمساعدة الناس بالتفكير خسارة للموارد!
و كانت أيضا الأبحاث الشبيهة لمشروع ليكليدر معزولة و منتشرة في جماعات من الباحثين في جميع انحاء البلد. و مهمته الان ان يبحث عنهم و يحتضن عملهم في ARPA , و دمجهم بمجتمع علمي قابل للاستمرار بعد ذهابه.
و ذكر في مذكرته في نيسان من عام 1963 التي وجهها الى ” الأعضاء و شركات شبكات الحواسيب المجرية” – و التي تضم المحققين الرئيسين التابعين له. على الرغم من ان بداية مشروع IPTO كانت جيدة , الا انه رأى خطرا بعدم ادراك حقيقة طاقتها الكامنة ,– المجتمع الوليد في ARPA لن يكون اكثر من تقنية برج بابل العالية, و التي انتجت جيوب متفرقة من الآلات الغير متوافقة في لغاتها و برامجها ,الجغرافيا سوف تضمن حدوث ذلك – كما كتب ليكليدر.
لذلك مشروعهم يجب ان يتعدى الجغرافيا. يجب ان يتحدثوا و يشاركوا كل وقتهم للحواسيب , و بمجرد ان تصبح الآلات مشتغلة, و تربط في نظام وطني “في حالة مثل هذه الشبكة التي اتخيلها بشكل غامض ممكن ان تصبح قيد التنفيذ ” ليكليدر اضاف ” يجب ان يتوفر على الأقل اربع حواسيب كبيرة, و ربما ستة او ثمانية حواسيب صغيرة, و وحدة مكتبة كبيرة من أقراص الملفات و الأشرطة الممغنطة – ناهيك عن لوحات المفاتيح و محطات طباعة البرقيات – جميعها تتشارك معا”.
اذا تركنا جانبا التكنلوجيا البدائية و العدد القليل المضحك من الآلات : الا إن الرؤية التي تكمن وراء هذه الجملة لا تزال وصفا جيدا جدا للإنترنت الذي لدينا اليوم. بالواقع , فأن مذكرة ليكليدر للشبكة المجرية سوف تصبح قريبا الالهام المباشر لمبادرة اختراع الأنترنت في ARPANET.
بسبب ان التكنلوجيا الضرورية لم تكن بعد جاهزة في ذلك الوقت, ليكليدر نفسه لم يستطع البدء بشبكة ARPA خلال ذلك الوقت.(حيث غادر العمل عام 1964 , أولا ذهب الى IBM ثم الى MIT و لم يحقق نجاحه, عقبه ايفان سوثرلاند Ivan Sutherlad حتى عام 1966 ثم اصبح المدير الثالث لـIPTO, روبرت تايلور Robert Taylor , حيث قرر ان الوقت مناسب الان ليس فقط لتطور لتكنلوجيا في ذلك الوقت, و لكن التكاثر الغير متوافق للأنظمة اصبح سيئا جدا مثلما تخوف ليكليدر سابقا. حيث اجبر تايلور على تنصيب ثلاثة محطات مختلفة لطباعة البرقيات في مكتبه في البنتاغون فقط ليربط أنظمة تشارك الوقت الثلاثة الرئيسية التي تمولها ARPA . كما قال لاحقا في مقابلة:” أي احد في هذا السياق سوف يفكر سريعا, ‘ انتظر دقيقة- لماذا لا يمكنني ان احصل على أي من هذه الاماكن (الأنظمة الثلاثة) من محطة طابعات واحدة ؟”
و بالحصول على اموال مشروع الربط الشبكي اثبت بانه لا مشكلة ابداً. كان مدير ARPA تشارلز هيرزفيلد Charles Herzfeld صديقا لليكليدر خلال العهد السابق لـIPTO, و يفهم أهمية شبكات الحواسيب جيدا : حيث استمع لخطاب تايلور لحوالي 20 دقيقة و صادق على منحه مليون دولار للمشروع. لاحقا, و بعد ضمان الأموال, قام تايلور بدعوة لاري روبرت من مختبر لنكولن ليدير مشروع الشبكةARPANET. و مع بداية عام 1967 , روبرت حدد ثلاثة مفاتيح تقنية تحدد كيف ستكون بنية الشبكة الجديدة- و الذي اصبح ما يعرف بالأنترنت اليوم.
أولا , و بما انه لا احد بامكانه ان يوفر للوكالة بضعة مليونات من الدولارات لنشر شبكة اسلاكها في ارجاء البلد, ARPA تحركت باتجاه نقل المعلومات عن طريق شبكة الهاتف. و لسوء الحظ , كانت عملية الاتصال في هذا النظام بطيئة جدا بسبب بطء سرعة الاتصال للحواسيب. و بدل ذلك , قرر روبرت ان تقوم ARPA بسلسلة من المكالمات المكثفة طويلة المدى , و التي لا تنقطع ابدا. و بدقة اكثر, الوكالة سوف تؤجر سلسلة من خطوط الهواتف العالية السعة لربط احد مراكز ARPA بالمراكز الأخرى , و بذلك سوف تكون الحواسيب مربوطة دائما.
ثانيا, قرر روبرت ان الرسائل الالكترونية سوف لن ترسل خلال الشبكة عن طريق دفق مستمر من البتات(BITS). و بدل ذلك و تشابه العملية كتابة الرسائل الطويلة عن طريق سلسلة من البطاقات البريدية, كل رسالة سوف تقسم الى اقسام متعددة ثابتة الطول – تسمى ” رزم PAKET” في اللغة العصرية. تكون هذه الرزم محمية ضد التشويش في الخطوط, حيث تتم عملية تنقية البتات بسهولة و تقليل تشويش الرسالة. سوف لن تقضي الرزم على التشويش . و لكن سوف تعزل الخطأ و تعطي النظام الفرصة لإصلاحه, من خلال كودات خاصة بإصلاح الأخطاء , او عن طريق سؤال المرسل بأرسال نسخة جديدة من الرسالة .( الفكرة من استخدام الرزم بالشبكة تم تنظيمها بأعوام سابقة من قبل باول باران Paul Baran في شركة راند, و حللت رياضيا في عام 1962 في رسالة روبرت للدكتوراه في MIT )
و أخيرا, قرر روبرت صنع شبكة غير مركزية بالكامل, بدون حاسوب رئيسي يقوم بالاستجابة و استقبال الرزم و ارسالها مرة أخرى الى وجهتها. تنفيذ مثل هذه المحطة المركزية سوف يكون ابسط , و روبرت يعرف ذلك. و لكن عطب ترانزستور واحد بإمكانه ان يعطل الشبكة بأكملها. و بدل ذلك هو خطط بان تكون مواقع ARPA مربوطة بنمط معقد شبيهة بخرائط الطرق السريعة داخل الولايات, و كل موقع سوف يشارك مسؤوليات الارسال بشكل متساوي . و ذلك ان الحاسوب سوف يقرأ العنوان الرقمي لكل رزمة قادمة , و يقبل الرزمة في حالة العنوان محلي او ارسالها مرة اخرة الى المحطة القادمة في رحلتها. “تحويل الرزم” مما يعني الحاجة الى برمجة اكثر و تعقيد اكثر خلال طور التشغيل. و لكن النظام النهائي سوف يكون اقوى بكثير: حيث لا تتأثر بعطل جزء واحد فقط من اجزاءه. و لاحقا في عام 1967, و باقتراح ويسلي كلارك Wesley Clark من جامعة واشنطن, روبرت أضاف مفاتيح لصقل هذا المخطط. بدل من الطلب من كل موقع تشغيل كل الرزم بحاسبهم الرئيسي, حيث تشابه هذه العملية محاولة الدخول في كل تحويلة على يمين الطريق السريع للولاية لكل بلدة صغيرة في الطريق, الشبكة سوف تكون مكافئة رقميا لطريق سريع محدود الوصول. و البلدات الخارجية التي سوف تتبادل المعلومات تمثل الحواسيب الصغيرة- و التي تدعى بمعالج الرسالة السطحية Interface Message Processor (IMP)- و هذا سوف يعالج كل المشاكل الروتينية. النتيجة سوف تكون واجهة ملائمة. ARPA سوف تأخذ مسؤوليتها لتصميم و تنفيذ شبكة ملائمة- بمعنى طريق سريع لتبادل المعلومات الرقمية – بينما الباحثين في كل موقع سوف يركزون على ملائمة المهمات البسيطة لربط الحاسوب المركزي بـ IMP.
روبرت مؤخرا اكتشف ان مخطط شبكة شبيه قد طور مؤخرا بواسطة دونالد ديفيس Donald Davies و مجموعته في مختبر الفيزياء الوطني في المملكة المتحدة, و لم يجدوا لغاية الان المانحين لتنفيذه. و لحسن الحظ ليس لديهم مشكلة من ان تكون ARPA المانح للمشروع, قادة الوكالة استمروا ليكونوا داعمين جدا. في نهاية عام 1968 روبرت منح عقدا لبناء الـIPM الى بولت بيرانك و نيومان Bolt Beranek and Newman (BBN) في كامبرج . و بجهود بطولية قامت BBN ببناء الة الاحلام و التي اكتملت اول الة في تسعة اشهر فقط. كلينروك و مجموعته البحثية في UCLA صرحوا بان اول IPM تم نصبه في مختبرهم في عام 1969 , مما جعلهم اول عقدة في ARPANET الجديدة. معالج الرسائل السطحية Interface Message Processor (IMP): هو اول جهاز راوتر في شبكة ARPANET يحتوي بداخله المعالج الدقيق من نوع هني ويل 516 مع برنامج ذو قابلية 6000 كلمة لعرض حالة الشبكة او الاحصائات . اول عملية ارسال حصلت في ARANET بين جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس و معهد أبحاث ستانفورد في كاليلفورنيا في الساعة العاشرة و النصف مساءا في 29 من تشرين الثاني في عام 1969.
و استمر تباعا تنصيب مواقع اخرى لـARPA, مع روبرت , الذي اصبح رئيسا للـIPTO في خريف 1969, دفع بثبات الباحثين لاستخدام الشبكة. و مهمته أصبحت اسهل بكثير بعد عام 1971, عندما قام المهندس من BBN راي توملينسون Ray Tomlinson باختراع برنامج للبريد الالكتروني مخصص لـARPANET . (توملينسون هو الذي ابتكر فكرة خدمات البريد الالكتروني المحلي التي كانت منفذة منذ فترة طويلة في مشروع MAC و مواقع ARPA الأخرى لمشاركة الوقت, أيضا ابتكروا طريقة جديدة ممتازة لتعريف عنوان البريد الالكتروني: تتضمن هذه الطريقة باستخدام الاسم الأول “الاسم الصريح” للشخص الذي يقوم بالطباعة و الدخول للحاسوب المضيف , ثم تربط باسم المضيف في الشبكة مع علامة @ (الاسم الصريح@اسم المضيف) . البريد الالكتروني اصبح بسرعة التطبيق الأكثر شعبية للشبكة – حتى في المقر الرئيسي لـARPA , حيث المدير ستيفن لوكاسيك Steven Lukasik و الذي اصبح مستخدما مدمنا له. في عام 1972 روبرت وظف روبرت كان Robert Kahn لبدء شبكة جديدة لـIPTO عبر البحار, و التي تضمنت تجارب في تبادل حزم التواصل عبر الراديو و الأقمار الاصطناعية. روبرت كان , الذي كان عضوا في فريق IMP في شركة BBNG, قريبا سيجد نفسه بحاجة الى جهد مضاعف ثلاث اضعاف على احد القضايا التي كانت تعتبر تافهة و أصبحت من اهم القضايا. كيف يمكن ربط كل هذه الأقمار الصناعية و شبكات الراديو للتخاطب فيما بينها, و أيضا ربطها مع ARPANET ؟ حيث ان الشبكات المختلفة صممت لبيئات المختلفة . مثلا شبكة ARPANET تعيش في عالم من الاستقرار النسبي, مع تتابع الحزم في خطوط الهاتف الثابتة و الأرضية . و لكن حزم الراديو تعيش في عالم من الفوضى، مع المستقبلات المتحركة دائما خارج و داخل النطاق, و التي قد تقطع بواسطة تل او نفق مما يؤدي الى فقدان الحزمة بكل مرة. النظامين فيهما عدم توافق جوهري في سرعة الارسال, طول الحزمة- وأيضا أي معيار اخر معروف.
روبرت كان ادرك ان افضل طريقة لدمج هذه الشبكات هي البدء بتفكيكها. بفصل جزء الأقمار الاصطناعية, يصنع منها شبكات مفصولة تماما و بنفس الطريقة الخطوط الجوية مفصولة تماما عن طرق المرور السريعة. و تجهيزها بـIPM خاص بها , و ببرامج خاصة بها, و بروتوكول الارسال الخاص بها . و بعدها تربط الى شبكة APRANET خلال نوع من البوابات – او بلغة عصرية “راوتر او جهاز توجيه” – و تخصص حواسيب لهذه الغرض تقوم بترجمة حزمة ARPANET الى حزمة الأقمار الاصطناعية و الراديو و بالعكس. و بكلا الاتجاهين تتوافق مع معايير السطح البيني – و لا يتشارك النظامين باي من تفاصيلهم الداخلية. و تستطيع بسهولة ربطهما بواسطة البوابه , مثل الربط الأجهزة الكهربائية بالمقبض الكهربائي, و الحزم سوف تتدفق حسب الحاجة. و اكثر من ذلك نستطيع ربط أي نوع من الحزم الأخرى للشبكة .( و اهم مثال لذلك هو الايثيرنت Eth¬ernet السرعة العالية لتبادل الحزم في الشبكة المحلية التي طورت في مركز أبحاث كسيروكس بالو التو Xerox Palo Alto في عام 1974, ملهما جزء كبير من ARPANET ) و النتيجة , روبرت كان ادرك , ان النظام سيكون مفتوح بالكامل : شبكة الشبكات التي بالإمكان استيعاب أي احد. روبرت كان عمل خارج التصميم الأساسي لبنية الشبكة الداخلية و بالتعاون مع فينتون سيرف Vinton Cerf من جامعة ستانفورد , الذي كان طالب في مجموعة كلينروك UCLA عندما تم تنصيب اول IMP هناك. و قد اعطى كريف الوظيفة لكونه يعرف معايير التوافق السطحي بينها. حل سيرف, كان الاسهل, و ملهما من تماثل نظام البريد. ففي ظل الأوضاع القائمة, حاول ارسال حزم من شبكة الى أخرى مشابه لارسال بطاقة بريدية مكتوب باليابانية بحروف الكانجي عن طريق مكتب البريد في الولايات المتحدة: لا احد يستطيع ان يقرئه , و سوف يذهب مباشرة الى مكتب الرسائل المهملة.
و لكن هذا يحدث فقط بسبب ان البطاقة البريدية تذهب مجردة , و سوف لن تغير مظهرها الخارجي لتلائم تغير الظروف. بدل ذلك , سيرف تساءل , لماذا لا يتم ترتيب كل بطاقة بريدية لترسل داخل ظرف مكتوب عليه العنوان في اللغة المحلية – و بعد ذلك , عندما تعبر الحدود, يتغير الظرف بظرف جديد مكتوب باللغة المحلية للبلد الثاني؟ نهاية المشكلة: موظفي البريد في اليابان سيقرؤون الكانجي و في الولايات المتحدة سيقرؤون الإنكليزية و في بلدان الشرق الأوسط سيقرؤون العربية و كذلك لبقية الدول. الان, لترجمة الفكرة الى شبكات المعلومات, سيرف تصور ان كل حاسوب يبدأ ببروتوكول عالمي محدد بعناوين الحزم. (و هذا سوف يكون برنامج مكافئ للجميع يتوافق لعناوين البطاقات البريدية في الجانب الأيمن, مستخدما الاحرف الرومانية, بذكر الاسم, الشارع , المدينة , الولاية , البلد و كذلك بقية المعايير( و لكن قبل اطلاق الحزم مباشرة الى الشبكة المحلية داخل ظرف سوف لن يكون مفهوما بالبروتوكول العالمي, الحاسوب سوف يقوم بلف كل حزمة داخل ظرف و ببتات إضافية لكي يكون مفهوما للشبكات المحلية. و بهذا كل حزمة سوف تكون مختومة داخل لغة شبكتها المحلية حتى تصل للبوابة الى الشبكة الأخرى في الشبكة عندما بوابة الحاسوب تأخذ كل حزمة خارج الظرف, و تقرأ العنوان في لغة البروتوكول العالمي , و تلف الحزمة بظرف جديد ملائم الى المحيط الجديد و ترسلها بطريقها. البروتوكول العالمي نفسه سوف يتعامل مع عدد من العمليات, تشمل ” بروتوكول الشبكة الداخلي” مثل ترميز الأشياء بحزم محددة العناوين , و سوف يسمح نظام تحكم الارسال للحاسوب الموجه اليه الحزمة بطلب إعادة ارسال الحزمة في حالة فقدانها اثناء الارسال. و ما يسمى باللغة العصرية : بروتوكول التحكم بالإرسال / بروتوكول الإنترنت Transmission Control Protocol/Internet Protocol, او TCP/IP. كذلك قضى باحثي شبكة سيرف في جامعة سانفورد عام كامل من العمل بتفاصيل هذه الفكرة. و بعدها في عام 1974 تمكن سيرف مع كان من نشر بحثهم الذي يحمل عنوان ” بروتوكول حزم بيانات الاتصالات” الوصف الأول البنيوي لكيفية عمل الانترنت كشبكة الشبكات, مع جمع TCP/IP سوية . (ذلك البحث هو السبب باعتبار سيرف و كان اليوم بانهم مخترعي الانترنت, و بهذا بإمكان أي شخصين ان يستطيعوا ترك تأثيرهم – و سبب حصولهم في عام 2005 على وسام الحرية الرئاسي). التحدي الان هو كيف تحويل شبكة ARPA Internet الى حقيقة . في عام 1976, روبرت كان اقنع سيرف بالعمل مع DARPA –كما تم إعادة تسميتها في عام 1972 – للبدء بالتحدي الكبير. (كان نفسه عمل مدير IPTO من عام 1979 الى 1986 ) و خلال الأعوام اللاحقة , سيرف ادرك تطور النسخ العاملة بالبروتوكول و التي تعمل بمختلف الأنظمة و الأجهزة المختلفة, و منها سلسلة المظاهر الطموحة في الميدان. و بحلول اذار 1982 , النسخة الرابعة من TCP/IP تم إنجازها لتكون متطابقة كفاية للعمل مع قسم الدفاع لعمل المعايير الخاصة بكل الحواسيب العاملة في الشبكة العسكرية. و في اليوم الأول من شهر كانون الثاني من عام 1983 – تاريخ الولادة الحقيقية للانترنت – شبكة ARPANET نفسها ربطت بالـ TCP/IP. و في تلك النقطة, لم تبقى الـARPANET وحيدة. منذ ان اصبح TCP/IP نطاق عام – بعد ان وضعت على نفقة دافعي الضرائب- الشبكات الأخرى بدأت بالربط و استخدام TCP/IP أيضا, و للربط مع الانترنت المتوسع. لسهولة و الأهمية الكبيرة للشبكات القائمة على TCP/IP تم تأسيس الجمعية الوطنية للعلوم NSFNet في عام 1986. NSFNet الاصلية أسست لربط الباحثين الاكاديميين بمراكز أنظمة الحواسيب الخارقة , و التي أعلنت في وقت سابق من نفس العام, و توسع استخدامها أٌسياً . و بنهاية العقد , NSFNet أصبحت العمود الفقري في الولايات المتحدة لاستخدام الانترنت, و قادت الى تأسيس و نمو الانترنت على مستوى العالم في عام التسعينات. بالحقيقة NSFNet جعلت ARPANET مهملا. مما أدى الى انسحاب DARPA . لقد كان ARPANET و لوقت طويل مشروع بحثي, و لم تأمل الوكالة ليكون مشتغلا على المدى الطويل: و الذي لا يعد من ضمن اهداف DARPA. و مع NSFNet – جنبا الى جنب مع الشبكات التجارية الناشئة للتو-ممكن لباحثي DARPA مع أي احد اخر الولوج للشبكة, و لهذا لا حاجة حقيقية له بعد. في عام 1989 , ARPANET رسميا اغلق . و لكن الانترنت الأكبر بدء للتو.
المصدر: هنا