الرئيسية / علوم تطبيقية / دليلٌ جديد يُجبر العلماء على إعادة النظر في كيفية نشوء القمر

دليلٌ جديد يُجبر العلماء على إعادة النظر في كيفية نشوء القمر

أثارت عملية تكوين القمر جدلاً واسعاً بين أوساط العلماء لعدة عقودٍ من الزمن، فقد اختلفوا فيما بينهم حول آلية انفصال كتلةٍ من كوكبنا الأرض وتكوينها للقمر قبل حوالي ٤.٥ مليار سنة. والآن، اكتشف مجموعةٌ من الباحثين دليلاً كيميائياً جديداً يقترح بأنّ عملية الانفصال جرت بشكلٍ أكثر عنفاً مما كنا نتوقع، واصفين الاصطدام الذي أدى إلى تحرير القمر من قبضة الأرض بأنه أشبه بضرب بطيخة بمطرقةٍ ثقيلة.

من المعروف أنَّ القمر كان جزءاً من الأرض يوماً ما قبل أن يتم انتزاعه من أحد الجوانب ويُرمى به في مدارنا، ولكن الظروف المحيطة بعملية فك الارتباط الهائلة هذه لا تزال محل سجال ساخن بين العلماء.
حتى وقتٍ قريب، كانت الفرضية الأكثر قبولاً حول آلية تكوين القمر تقترح بأنَه تشكَّل نتيجة اصطدام جسمٍ بحجم كوكب المريخ (يطلق عليه أحياناً اسم “ثيا Theoa”) بكوكب الأرض – والذي كان لا يزال في طور النمو- بعد حوالي ٢٠ إلى ۱٠٠ مليون سنة من اجتماع كواكب النظام الشمسي معاً. خرج كوكبنا الفتيّ سالماً تماماً، إلا أنّ الاصطدام كان قد أدى إلى ابتلاع لُب ودثار* ثيا واندماجه مع لُب ودثار الأرض. بعد ذلك، تكوَّن قرصٌ مُزوِّدٌ **صغير من بقايا الغبار والحطام المقذوفة إلى داخل المدار الأرضي، ومن هذا القرص تشكّل القمر في نهاية المطاف.
فسَّرت هذه الفرضية (والتي عُرفت بـ “الاصطدام العملاق”) اموراً أخرى مثل: حجم القمر الكبير مقارنةً بالأرض ومعدلات دورانهم المنفصلة، وهنالك العديد من الأدلة التي تدعم هذه الفرضية. إلا أن هذه الفرضية احتوت على مشكلةٍ كبيرةٍ واحدة لطالما أثارت العديد من التساؤلات. يبدو من المنطقي أن تعود معظم المادة التي تُشكل القمر في أصلها إلى نفس المادة التي تُشكّل ثيا، إلا أنَّ التحليل الكيميائي للعينات التي جلبتها مهمات أبولو “Apollo” في سبعينيات القرن الماضي قد دلت على أنَّ أحجار الأرض والقمر متطابقة تقريباً. 
بعد محاكاة عملية الاصطدام مراتٍ عدة، تكهَّن العلماء بأنَّ حوالي ٦٠-٨٠% من المادة التي تُشكل القمر تعود في أصلها إلى الجسم المؤثر (ثيا) أكثر مما تعود إلى الأرض، ولم يكن من المرجح وجود تشابه في التركيب الكيميائي بين الأرض وثيا.
عند تسريع شريط الأحداث إلى أيامنا الأخيرة هذه، يبرز لنا بحثٌ حديثٌ قاده مجموعةٌ من علماء الجيوكيمياء في جامعتي هارفرد وواشنطن “Harvard and Washington Universities” والذي أشار إلى أن نتائج تحليلٍ جديدٍ ومفصل لسبعة أحجارٍ قمرية وثمانية أحجارٍ أرضية كانت مغايرةً جداً لما كانوا يتوقعون، في الواقع، نسفت هذه النتائج فرضية الاصطدام العملاق بشكلٍ تام.
قال كان وانغ “Kun Wang”، وهو أحد أعضاء الفريق البحثي من جامعة واشنطن: “إننا نعيد تحليل عينات أبولو القديمة باستمرار، لأنَّ تقنيات التكنلوجيا اصبحت في تطورٍ مستمر في السنوات الأخيرة”. وأضاف قائلاً: “يمكننا قياس فروقاتٍ أدق بكثير بين الأرض والقمر، لذا فقد توصلنا إلى العديد من الأشياء التي لم نجدها في سبعينيات القرن الماضي، حيث لم يكن باستطاعة الطرائق القديمة تفسير المشاهدات الجديدة”.
إنَّ التحليل الجديد لهذه الصخور لم يُظهر فقط بأنَّه لا وجود لدليل جديد على وجود موادٍ أخرى قادمةٍ من شيءٍ آخر غير الأرض، بل اقترح أيضاً بأنَّ أصول الأحجار القمرية هذه تعود إلى الأرض أكثر مما كنا نعتقد من قبل. أظهرت نتائج فحص النظائر الكيميائية تطابقاً تاماً بين الأرض والقمر، عدا نظيرٍ واحدٍ فقط وهو: نظير البوتاسيوم الثقيل والذي كان موجوداً في العينات القمرية فقط.
ومن أجل أن يظهر نظير البوتاسيوم الثقيل في الأحجار القمرية دون الأرضية، كان مؤكداً تعرضها لدرجات حرارةٍ عاليةٍ جداً. نتيجة لهذا، اقترح الفريق البحثي بأنّ الاصطدام المكوِّن للقمر كان أعنف مما يمكن أن نتخيل.
توضح لورين غراش “Loren Grush” الكاتبة في موقع ذا فيرج “The Verge”: ” إنَّ الاصطدام الذي تسبب بتكوين القمر لم يكن سطحياً أبداً، بل كان عنيفاً جداً، متسبباً بتحطيم معظم الأرض والجسم المصطدم، محولاً إياهم إلى أجزاءٍ متطايرة. وبهذه الطريقة اختلطت الاجزاء المتطايرة من حطام الجسمين مكونةً اجواءً ضخمة وكثيفة. بعد فترة، بردت هذه الاجواء وأصبحت أكثر كثافة. ومن هذه الأجواء تم اصلاح الأرض وأصبحت بشكلها الحالي الذي نعرفه وتشكل تابعها القمر” .
يعد هذا الكلام ادعاءً جريئاً جداً، لأنه لا يقترح بأننا مخطئون بشأن آلية تكوين القمر فقط، بل يرسم صورةً لنظامٍ شمسيٍّ أكثر عنفاً وأقلَّ استقراراً مما كنا نعتقد.
لم يخرج أحد بعد لرد هذه الادعاءات بشكلٍ صريح، وبهذا يقع العبء على وانغ وفريقه لجعل فرضيتهم أكثر اقناعاً وأثقل أدلةً من الفرضية السابقة التي اعتمدناها لحوالي خمسين عاماً مضت. وفي سبيل تحقيق ذلك، يجب عليهم أن يبرهنوا بأنَّ محتوى العينات السبعة ذات المستويات العالية من نظير البوتاسيوم الثقيل تمثل التركيب الشامل للبوتاسيوم على سطح القمر بأجمعه.
وفي تصريح قال فيه الجيولوجي منير هوميان “Munir Humayun” من جامعة فلوريدا “Florida University”، والذي لم يشترك بالدراسة:” أنا مسرورٌ جداً بما قدموه، لكنني أتمنى لو أنهم استعملوا عيناتٍ أفضل” وأضاف:”لا توجد بياناتٌ كافية لدعم الفرضية الجديدة حتى الآن.”
لم ينزعج وانغ كثيراً من الانتقادات الموجهة اليه، قائلاً بأنَّ كل فرضيةٍ جديدة تأخذ وقتاً لتستقر وتصبح مقبولةً وذلك بعد أن تتجمع الأدلة الداعمة لها بمرور الزمن.
قال وانغ: “تطلَّب من الناس عقوداً من الزمن ليتقبلوا فرضية الاصطدام العملاق الحالية، وبما أننا نقول بأنها ليست صحيحة، فربما سيحتاج الناس من ۱٠ إلى ۲٠ سنة ليتقبلوا النموذج الجديد لهذه الفرضية”.
الوقت وحده سيكشف فيما إذا كانت قصة نشوء القمر هذه ستصمد أمام الفحص النقدي الدقيق.
الهوامش: * الدثار: الغشاء[1] أو الستار[2] هي طبقة أرضية تحتية يبلغ سمكها نحو 4000 كيلومتر وتقع فوقها القشرة الأرضية التي نعيش عليها والتي يبلغ سمكها بين 30 – 60 كيلومتر. وتبلغ المسافة بين سطح الأرض ومركزها 6370 كيلومتر، ويشكل الجزء المركزي نواة (نصف قطرها 2000 كيلومتر) من معادن ثقيلة ساخنة سائلة، تبلغ درجة حرارتها 6000 درجة مئوية. وتقل درجة الحرارة بالصعود من المركز إلى أعلى الدثار (عمق نحو 50 كيلومتر) حتي تصل إلى 1500 درجة مئوية، وتكون في صورة صهارة خفيفة نسبياً. المصدر: Wikipedia
**القرص المُزوِّد:في الفلك (بالإنجليزية:accretion disc) هو نوع من الأقراص النجمية الدوارة وهو عبارة عن حزام من الغاز والغبار الكوني يحيط بنجم في طور التكوين غالباً لكن من الممكن أن يكون حول نجم أولي أو قزم أبيض أو نجم نيوتروني أو ثقب أسود ويدور حوله بفعل الجاذبية. جاءت تسميته من أنه يمد نجمه باستمرار بالمادة وهذا ما يساعد النجم على زيادة كتلته. تزداد كتلة النجم بما يتراوح بين 10−7 و 10−9 كتلة شمسية في السنة. تصدر الأقراص حول النجوم الفتية أو الأولية موجات الأشعة تحت الحمراء أما عندما تكون الأقراص حول نجم نيوتروني أو ثقب أسود فهي تصدر أشعة سينية. المصدر: Wikipedia
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

وقود يخزن الطاقة الشمسية لمدة 18 سنة

كتبه لموقع “ساينس أليرت”: كارلي كاسيلا نُشر بتاريخ: 6/11/2018 ترجمة: بان علي مراجعة وتدقيق: عقيل …

فرانكنشتاين: التجارب الحقيقية التي ألهمت الخيال العلمي

كتبه لموقع “ذي كونفرزيشن”: ايوان موروس نشر بتاريخ: 26/10/2018 ترجمة: إبراهيم العيسى مراجعة وتدقيق : …