ترجمة : واثق غازي عبد النبي
تصميم الصورة : حسن عبد
[spacer height=”30px”]
الجزء الأول
المتدينون والأخلاق
[spacer height=”10px”]
دراسة بعد دراسة خلال العشرون سنة الاخيرة بينت أن ليس هناك علاقة بين التمسك بالقيم الأخلاقية والتدين [1] [2]. سوف نقوم بتوضيح بعض هذه الابحاث، ولكن أولاً دعونا نحدد المشهد الراهن الخاص بعلاقة الدين بالأخلاق.
[spacer height=”5px”]
أغلب الناس يدعون أنهم أكثر أخلاقاً بسبب دينهم. حتى الآن، فأن أغلب الناس المتدينون الذين لاحظتهم يبدون لي بأنهم ليسوا أكثر أخلاقاً من أولئك الناس غير المتدينين، برغم من إدعاء المتدينين بأنهم أكثر أخلاقاً. يبدو أن الناس المتدينين يكسرون الوصايا العشر بنفس المقدار الذي يفعله أولئك الذين لم يذهبوا إلى الكنيسة ابداً، ولكن علينا أن نضع ذلك في أطار من الاختبار الاحصائي. على سبيل المثال، من يمارس الطلاق أكثر؟ من يرتكب جرائم ويذهب إلى السجن أكثر؟ من يحنُ على المحرومين أكثر؟ هذه قد تبدوا تخمينات صارمة لقيم اخلاقية نسبية.
[spacer height=”5px”]
إذا ادعى شخص ما بأن الدين جعل منه أكثر أخلاقاً، فأني سوف اسأله (كيف تُثبت ذلك؟). فحوى الجواب يكون عادة بالشكل الآتي: (التدين يساوي القيم الأخلاقية). الشخص الأكثر تديناً هو الأكثر أخلاقاً في نظر نفسه، وربما في نظر الناس المتدينين الآخرين الذين يحملون نفس الإيمان. المقياس لدى المتدينين هو أي شيء ماعدى الموضوعية. عملياً، الناس يجدون صعوبة في ايجاد مقياس للقيم الإخلاقية. لذلك فأن الدين يجعل شخصاً ما يشعر بأنه أكثر أخلاقا بدون أن يراعي الواقع الموضوعي.
[spacer height=”5px”]
المعمدانيون، والكاثوليك، والناصريون، والمسلمون جميعهم يدعون بأن دينهم جعلهم أكثر أخلاقاً. أذا كان هذا صحيحاً، فأننا نتوقع أن نرى بعض دلائل ذلك في الاحصائيات المتوفرة بكثرة عن الجريمة والخدمة الصحية والطلاق، وكما مبين فيما يلي.
[spacer height=”10px”]
(1) الجريمة والدين:
[spacer height=”10px”]
العديد من مواعظ يوم الأحد تَسخر من فسوق الملحدين أو العلمانيين. مع ذلك فأن الذين يصفون أنسفهم بالملحدين غير موجودين في السجون تقريباً. الذين يصفون أنفسهم بأنهم معمدانيون أو تبشيريون أو كاثوليك أو مسلمون تكون نسبتهم في السجون مساوية تقريباً إلى نسبة كل منهم من مجموع السكان. ليس هناك أي دليل احصائي يشير إلى أن الإنتماء الديني يقلل من السلوك الاجرامي. المعمدانيون يرتكبون الجريمة بنسبة مماثلة تقريباً لنسبتهم الكلية من العدد الاجمالي للسكان. الشيء نفسه صحيح بالنسبة للكاثوليك والميثودست وغيرهم الكثير.
[spacer height=”5px”]
يبدو أن المجموعة الوحيدة التي تُمثل داخل السجون بنسبة أقل من عددها الكلي هي المجموعة التي تصف نفسها بالملحدين واللاأدريين [3]. أحدى الدراسات وجدت أن نسبة الملحدين في السجون هي 0,5% من مجموع السجناء في كافة الولايات المتحدة التي تشكل نسبة الملحدين فيها من 6% إلى 10% من المجموع الكلي للسكان، وهذا يعني أن نسبتهم في السجون أقل بـ 70% من مجمل عددهم. بعض السجون تخلوا من الملحدين على الاطلاق [4]. أوربا، التي بها أعلى نسبة ملحدين، لا تملك تقريباً معدل الجرائم الذي تملكه الولايات المتحدة. الوثنيون واتباع طائفة الويكا (Wicca)، الذين يوصفون من قبل المسيحيين بأنهم غير اخلاقيون لأنهم لا يعبودن إله المسيحين، لا يشكلون نسبة أعلى في عدد السجناء. إذا كان السلوك الاجرامي هو مقياس دقيق للقيم الأخلاقية، فإن العديد من المجموعات غير المتدينة أو غير المؤمنة حتى، تبدو أنها تملك قيم أخلاقية مساوية على الأقل للمسيحيين. الخلاصة، ليس هناك دليل على أن الدين أو التدين يملكان تأثيراً ايجابياً في تقليل نسبة الجرائم.
[spacer height=”10px”]
(2) الخدمة الصحية والدين:
[spacer height=”10px”]
دراسة نشرت في سجلات الطب العائلي (Annals of Family Medicine) فتشت عن الاختلافات بين الأطباء الأكثر تديناً والأطباء غير المتدينين الذين يُعالجون الفقراء أو المحرومين [5]. النتيجة كانت أن (الأطباء الأكثر تديناً لا يُظهرون عناية كافية بالمحرومين). في هذه الدراسة، نسبة 31% من الذين يُظهرون درجة تدين عالي يعملون في خدمة الفقراء والمحرومين مقارنة مع نسبة 35% من أولئك الذين وصفوا أنفسهم بأنهم ملحدين أو لاأدريين أو غير مؤمنين بدين. في استنتاجه، كتب مؤلف البحث فار كورلن، ما يأتي:
[spacer height=”5px”]
(هذه النتائج جاءت مفاجئة ومحبطة. الكتب المسيحية واليهودية والاسلامية والهندوسية والبوذية جميعها تحث الأطباء على العناية بالفقراء، والغالبية العظمى من الأطباء المتدينين يصفون اختيارهم لمهنة الطب كرسالة. ومع ذلك فأننا وجدنا بأن الأطباء المتدينين ليسوا أكثر خدمة للمحرومين من زملائهم العلمانيين).
[spacer height=”5px”]
(3) الطلاق والدين:
[spacer height=”5px”]
الكثير من الجماعات التبشيرية ترى أن الطلاق علامة على الفسوق ويشجبونه من منابرهم. قد نتوقع أن الدين يقلل من نسب الطلاق، ولكننا سوف نكون مخطئين في توقعنا هذا. أوكلوهوما، الولاية الأكثر مسيحيةً وتديناً، فيها نسبة طلاق أعلى من ولاية ماسشيوستس الأقل تديناً. على امتداد الولايات المتحدة، معدلات الطلاق أعلى في الأماكن التي تكون الممارسات الدينية التبشيرية فيها أقوى من غيرها، وهذه الأماكن تتمثل بولايات حزام الكتاب المقدس [6].
دراسة أجريت في عام 1999 عن الطلاق قامت بها مجموعة بحث بارنا (Barna Research Group) وجدت بأن معدلات الطلاق بين التبشيريين والاصوليين هي أعلى منها بين المجموعات الدينية الأكثر ليبرالية، وأعلى بكثير من نسبتها بين الملحدين [7]. مجمع المعمدانيون الجنوبيون (The Southern Baptist Convention) غضب بشدة من هذه النتائج التي قادت إلى جدل كبير داخل اعضاء الطائفة وبعضهم تحدى دكتور بارنا. رد الفعل هذا دفع الدكتور بارنا، رئيس الباحثين، إلى كتابة رسالة للدفاع عن بحثه وتأكيداً على صحة بياناته. كتب الدكتور بارنا في رسالته تلك (نحن نادراً ما نجد اختلافات جوهرية بين السلوكيات الأخلاقية للمسيحيين وغير المسيحيين. نحن احببنا أن نكون قادرين على بيان أن المسيحيين يعيشون حياة متميزة جداً ومؤثرة في المجتمع، لكن … في موضوع نسب الطلاق فأنهم لا يختلفون عن البقية) [8].
[spacer height=”5px”]
بعد سنوات قليلة لاحقة، فأن مجمع المعمدانيون الجنوبيون أعترف بأن الاحصائيات قد تكون صحيحة وأخذت بتطوير برنامج لعلاج مشكلة الطلاق في الكنائس المعمدانية. بحلول عام 2000، فأن النصف تقريباً من مجمل الكنائس المعمدانية الجنوبية قاموا بتبني هذا البرنامج [9]. منذ أن طُبق البرنامج إلى الآن ليس هناك دليل على أن هذا البرنامج قاد إلى تقليل نسب الطلاق بين المعمدانيين.
[spacer height=”5px”]
أخلاق غير المؤمنين
[spacer height=”5px”]
إذا كنت غير مؤمن، فانت لا تعترف بوجود مُشرع في السماء. أنت مسؤول عن تطوير بوصلتك الأخلاقية الخاصة. في أغلب الاحيان، لا يعد ذلك عملاً صعباً. كعضو في مجتمع له عاداته واعرافه (culture)، فانت تلقائياً ملتزم وموافق على القانون الأساسي للسلوك. أنت لا تحتاج إلى واعظ لكي يخبرك بأن لا تسرق، لا تكذب، لا تغش، لا تغتصب، لا تسرق، لا تقتل، أو أن تسعى جاهداً لأجل الصدق في تعاملك اليومي مع الناس. هذه القيم تأتي من خلال كونك مواطن في مجتمع متحضر. والديك قد علماك هذه القيم، بغض النظر عن كونهم متدينين أم لا.
[spacer height=”5px”]
الفرق الوحيد بينك وبين أولئك الذين أصيبوا بالتدين هو أنك تعلم أنك مسؤول عن افعالك. ليس هناك أعذار. ليس هناك (الشيطان جعلني أفعل ذلك). المتدينون ليسوا واضحين جدا في قضية المسؤولية الأخلاقية. البعض منهم يعتقد أن الشيطان أغواهم. والبعض الآخر يعتقد أن الرب عنده خطة وأن عليهم أن يكتشفوا تلك الخطة. وما يزال بعض المتدينين يعتقدون أن الرب قدر كل ذلك مسبقاً وأنهم لا يملكون سوى القليل من الخيارات. المسلمون دائما يقولون (إن شاء الله). بعض المسيحيون يقولون ذلك ايضاً. كأنهم لا يملكون أي رأي فيما يحدث، وأن ربهم سوف يفعل ما يريد أن يفعل.
ختاماً نقول: إنه من المفيد جداً أن يكون الإنسان عارف تماماً بأهمية المسؤولية الذاتية. فالصالحون من الناس لا يضيعون وقتهم في قراءة الفنجان ليعرفوا خطة الرب. وهم لا يقلقون حول فيما أذا كان الرب ينظر من فوق اكاتفهم عندما يخطر في بال أحدهم خاطر سيء. هم يفضلون أن يحتفظوا بطاقتهم وحماستهم للقيام بأشياء اخرى أكثر أهمية.
[spacer height=”5px”]
كلمة المترجم بخصوص الجزء الأول
[spacer height=”5px”]
الغرض من ترجمة هذا الجزء من الكتاب هو التأكيد بطريقة علمية على حقيقة اجتماعية ربما كان الكثيرون من القراء يعرفونها أو يكونوا قد لاحظوها بأنفسهم. هذه الحقيقة هي أن (المتدينون أو من يطلقون على أنفسهم كلمة متدينين هم ليسوا أكثر أخلاقاً أو تمسكاً بالقيم الاخلاقية من غير المتدينين أو حتى من غير المؤمنين بأي دين رسمي). الأرقام والدراسات التي أشار لها المؤلف واعتمدها في دراسته تؤكد تلك الحقيقة بطريقة علمية، أي باعتماد الاحصائيات، وليس بالكلام الارتجالي أو باتباع القياس المنطقي فقط.
[spacer height=”5px”]
الملاحظة الاخرى التي أود الاشارة لها هي أن الكاتب بحكم بيئته وطريقة تنشأته وعيشه في الولايات المتحدة الأمريكية، قد اعتمد في الكثير من امثلته على الطوائف الدينة المسيحية، واكتفى بذكر القليل من الاشارات عن بقية الديانات. لذلك نتمنى على القاريء العزيز أن يقوم هو بنفسه بايجاد الامثلة من دينه أو طائفته ليقارنها مع الامثلة التي طرحها الكاتب. فضلاً عن ذلك، فأننا نتمنى ان توجد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مراكز بحثية تقوم بمثل هذا النوع من الدراسات حتى ننتقل من مرحلة الدراسات القائمة على المشاهدة المجردة والمنطق الاستنتاجي إلى مرحلة الدراسات الميدانية والمنطق الاحصائي الرقمي في تقييم واقعنا الحياتي.
[spacer height=”10px”]
الجزء الثاني
[spacer height=”10px”]
تمهيد:
[spacer height=”5px”]
في هذا الفصل سوف نناقش التغيير والتحوير المستمر في القيم الأخلاقية داخل الدين. إن القيم الدينية تتغير باستمرار وباشكال كبيرة جداً مع الوقت على الرغم من أن رجال الدين والمتدينين ينكرون ذلك. أسطورة الأخلاق الدينية الثابتة مفيدة في الحصول على انتشار واسع للدين، بينما الواقع يؤكد أن هذه القيم الدينية تتبدل باستمرار لتتكيف مع التراثية. [كلمة (التراثية) تعني مجموعة القيم والأعراف السائدة في مجتمع ما. وهي ترجمة لكلمة (culture)، اقترحها الدكتور علي الوردي في عدد من كتبه .. المترجم].
[spacer height=”5px”]
الأخلاق والقيم:
[spacer height=”5px”]
من أين تحصل على قيمك وأخلاقك؟ لقد حصلت على الكثير مما تعتقد به من عائلتك ومن أولئك المسؤولين عن تنشئتك. في الوقت الذي تكون قد أُخبرت فيه بأن هذه الاعتقادات والأخلاقيات أتت من بعض المصادر الدينية، تكون هي في الواقع قد اتت من التراثية. نظرة خاطفة على القيم والأخلاق الدينية خلال القرون القليلة الماضية تبين بأن الدين تغير مع تغير التراثية. على سبيل المثال، الطلاق الذي كان ذنباً فضيعاً أصبح الآن مقبولاً بشكل واسع. القديس بولس قال بأن على المرأة أن تُغطي رأسها داخل الكنيسة [هامش: وكل امرأة تُصلي أو تتنبأ، وليس على رأسها غطاء، تُجلب العار على رأسها، لأن كشف الغطاء كحلق الشعر تماماً (الرسالة الأولى إلى مؤمني كورنثوس 11 : 5)]. من منكم يتذكر أنه رأى امرأة تغطي رأسها في كنيسة بروتستانتية أو كاثوليكية؟ لقد كان هذا الأمر مفروضاً في الكنائس الكاثوليكية لغاية عام 1969.
[spacer height=”5px”]
لا يمكن لأي دين أن يبقى حياً إذا لم يُعدل قيمه الأخلاقية مع الوقت. على سبيل المثال، لكانت الكنيسة الكاثوليكية اليوم أصغر كثيراً مما هي عليه لو لم تُغير وجهة نظرها الأخلاقية عن الطلاق في منتصف القرن الماضي. فحالات الطلاق ازدادت من 368 في عام 1969 إلى ما يزيد عن 40,000 في كل سنة في الولايات المتحدة الامريكية للفترة من 1990 إلى الوقت الحاضر. منذ تسعينات القرن الماضي، شهدت الولايات المتحدة الامريكية، والتي يشكل الكاثولك فيها نسبة 4% فقط من مجموع الكاثوليك في العالم، نسبة 75% من كل حالات الطلاق. إنه من الواضح أن الكنيسة الكاثوليكية تُغير موقفها الأخلاقي من الطلاق لكي ينسجم مع التراثية الأمريكية. فبدون قبول لقانون الطلاق، فأن اولئك الناس ومصادر دعمهم المالي سوف تنسحب من الكنيسة الكاثوليكية.
[spacer height=”5px”]
بعض الكنائس البروتستانتية سوف تكون فارغة اليوم لو أنها حافظت على تحريمها للقمار والخمر الذي كانت تتمسك به قبل أكثر من مئة عام. لعل رجال الدين يعتقدون بأن يكون عندك مقامرين يدفعون العُشر خير من عدم وجود كنيسة على الإطلاق. [العُشر هو العشرة بالمئة من مصدر دخل المسيحي البروتستانتي يدفعه شهرياً إلى الكنيسة (المترجم)]. أين سوف تكون الكنيسة الاسقفية اليوم لو أنها تمسكت بنظرتها عن المرأة التي كانت تؤمن بها قبل أكثر من مئة عام؟ كيف سوف يكون نجاح الكنيسة المعمدانية الجنوبية اليوم لو أنها تمسكت بموقفها أتجاه العبودية الذي كانت تؤمن به في عام 1850؟ الكنيسة المعمدانية الجنوبية تأسست ككنيسة مؤيدة للعبودية في فترة الانشقاق العظيم بين أبناء الجنوب الامريكي المؤيدين للعبودية وأبناء الشمال الامريكي الرافضين لها [هامش: اغلب القساوسة في الجنوب كانوا يملكون عبيداً]. أبناء الجنوب الامريكي استشهدوا بعشرات النصوص الدينية من الكتاب المقدس ليدعموا وجهة نظرهم. القراءة في الكتاب المقدس تُبين أن ليس هناك أي نص سماوي يمنع العبودية. لم يرد في أي مكان في الكتاب المقدس أن العبودية خطأ، إذن فكرة رفض العبودية لا يمكن أن تكون قد جاءت من المسيحيين، على الرغم من ادعائهم ذلك. على العكس من ذلك الادعاء، فأن عاطفة رفض العبودية جاءت من أفكار عصر التنوير التي تم تبنيها من قبل بعض الجماعات الدينية وليس من قبل آخرين. إذا كانت القيم الأخلاقية ثابتة، فلماذا ليس هناك كنيسة مؤيدة للعبودية الآن؟ كيف لشيء مهم جداً أن يفقد أخلاقيته الالزامية بصورة مفاجئة؟ إنه أمر مشابه لوحي الأله إلى رئيس طائفة المورمن في 1890 والذي أنهى تعدد الزوجات بصورة رسمية، وسمح ليوتا أن تصبح ولاية أمريكية. عندما تتغير التراثية، يتغير الدين، أو أنه سوف يفقد تأثيره وقابليته على الانتشار. قضايا أخلاقية ضخمة يبدو أنها تختفي عند مواجهة التغير التراثي.
[spacer height=”5px”]
في أواخر ستينيات القرن الماضي، كانت فضيحة للمرأة أن ترتدي بنطلون، خصوصاً داخل كنيسة. هل تستطيع كنيسة الناصري أن تبقي ابوابها مفتوحة إذا النساء المرتديات للبنطلونات مُنعن من الدخول؟ الجنس قبل الزواج كان غير وارد في معضم الكنائس في ثلاثينيات القرن الماضي. أنا اتسائل كم أمريكي كاثوليكي قد مارس الجنس قبل الزواج الآن؟ الجنس قبل الزواج لا يحظى بالاهتمام والادانة من قبل العديد من الجماعات الدينية. التراجع الكبير جداً في معدلات الانجاب بين الكاثوليك قد يشير إلى أن تحديد النسل لم يعد كما كان ذنباً بالرغم من تعاليم الكنيسة. لا يبدوا أن الكنيسة تعاقب أي شخص بسبب استخدام موانع الحمل.
[spacer height=”5px”]
القادة الدينين الذين يدعون أن القيم الأخلاقية ثابتة يملكون ذاكرة قصيرة. مجموعة مثل (المجتمع المسيحي لاعادة أخلاقيات العهد القديم) يتبنون ادعاءً واسعاً حول القيم الأخلاقية الثابتة، مع ذلك فأن قلة منهم يقترحون التطبيق الكامل لقوانين العهد القديم المؤيدة للعبودية ورجم الزانيات والساحرات. قلة سوف يطردون أولئك الذين يعتقدون بأن الكتاب المقدس ذو الترجمة اللاتينية هو أعلى سلطة من نسخة الملك جيمس. حتى بين جماعة اصولية مثل هذه، فأن الدين يفعل ما يحتاجه لكي يبقى حياً في وسط ديانات وتراثيات تحيط به من كل جانب.
[spacer height=”5px”]
القيم الأخلاقية الدينية المؤقتة:
[spacer height=”5px”]
الوعاظ الاصوليون يتحدثون عن كلمة الرب الثابتة وبأن القيم الأخلاقية التي وضعها لا تتغير ابداً. أسطورة القيم الأخلاقية الثابتة تسمح للدين أن يتحكم بالسلوك الحالي. عندما يُصاب الناس بفقدان الذاكرة، فأنه من السهل على القساوسة والوعاظ أن يفرضوا ما يسمونه اليوم بالسلوك المقبول، والتي هي مجموعة قيم أخلاقية مؤقتة. القيمة الأخلاقية الثابة تعني أن هناك طريقة للحكم على سلوك معين بشريط قياس الأخلاق. ولكن ما يحدث في الواقع هو أن القس أو الواعظ يتحكم بشريط القياس ويعدله وفقاً لمصلحة الدين الموجود في تراثية معينة.
[spacer height=”5px”]
كم واعظ استنكر فكرة توحيد طبقات المجتمع في هذه الأيام؟ هل سمعت أي موعظة عن شر القمار في كنيستك مؤخراً؟ هل القس في كنيستك وعظ عن شر تحديد النسل في العشر سنوات الاخيرة؟
[spacer height=”5px”]
ربما نعتقد أن ارتكاب الجريمة هو تصرف مدان بشكل مطلق. فوصية (يجب أن لا تقتل) تبدو واضحة جداً. ولكن هذه الوصية أيضاً تغيرت مع الزمن. اليهود الذين كتبوا واتبعوا الوصايا العشر لم يعتقدوا أنهم يرتكبون جريمة عندما يرجمون زانية حتى الموت أو يقتلوا كل النساء أو الأطفال في مدينة اثناء حربهم مع الفلسطينين. محاكم التفتيش وتوماس دي توركويمادا (Tomás de Torquemada) لم يعتقدوا أن التعذيب حتى الموت كان جريمة. هل هذه الافعال تُعد جريمة اليوم؟
[spacer height=”5px”]
مُلاك العبيد في ولاية ميسيسيبي كانوا يعتقدون أن لهم الحق في قتل العبد الآبق، لأن ذلك لم يكن يُعد جريمة من الناحية القضائية. في عام 1850 لم تُعد جريمة أن يقوم حشد من المسيحيين بشنق رجل اسود بتهمة اهانة امرأة بيضاء. جماعات الاعدام دون محاكمة كانت قادرة على شنق السود والافلات من العقوبة لمدة ثمانين سنة تقريباً بعد الحرب الاهلية، لم يُتهم أي واحد منهم بالجريمة. هل كان هذا الفعل جريمة أم لا؟
[spacer height=”5px”]
بالنسبة لرجل في باكستان، لا تُعد جريمة أن يقوم بقتل اخته أذا وجدت لوحدها مع رجل ليس من اقاربها. بالنسبة لحارس سجن مسيحي، ليس جريمة أن ينفذ عقوبة الموت بمجرم أدين حسب الاصول. لم تحسب جريمة أن ترمي قنابل النابالم على القرى الفيتنامية في عام 1968. من الواضح أن مفهوم الجريمة شيء عائم، ولا يبدو ان للجريمة أي علاقة بالوصايا العشر.
[spacer height=”5px”]
القيم الأخلاقية يتم تعريفها في ضوء التراثية الحالية. والدين يخضع إلى القيم المعاصرة فقط عندما يتهدد بقائه. بما أن التراثية تتبدل باستمرار، فأن الدين دائما يحاول أن يُعدل نفسه لأجل أن يبقى حياً داخل الترثية. في المجتمعات غير المصابة بشدة بالدين، فأن الدين عليه أن يتحول لكي يبقى مؤثراً. أما في المجتمعات المتزاوجة بشدة مع الدين، مثل السعودية العربية، فأن مسطرة الأخلاق صعبة التكيف مع القيم المعاصرة.
الخلاصة:
[spacer height=”5px”]
(1) القيم الأخلاقية هي صنيعة التراثية وليس الدين.
(2) الدين يتغير باستمرار لكي يتكيف مع التراثية ويبقى على قيد الحياة.
(3) التحكم الديني ينشأ ويستمر من خلال أسطورة الأخلاق الثابتة.
(4) المصابون بالتدين يجدون صعوبة في رؤية الطبيعة المتغيرة في القيم الأخلاقية الدينية.
كلمة المترجم:
أغلب الأمثلة التي قدمها المؤلف عن القيم الأخلاقية المتغيرة كانت من الدين المسيحي، والتي يمكن تلخيصها بالعبودية، والطلاق، وتحديد النسل، وشرب الخمر، ولعب القمار، وممارسة الجنس قبل الزواج، وعدم وضع غطاء الرأس داخل الكنيسة، وارتداء النساء للبنطلون، وتعدد الزوجات لدى طائفة المورمن، واخيراً اعدام السود دون محاكة. أتمنى على القاريء أن يبحث عن قيم أخلاقية كانت سائدة في فترات سابقة من تاريخنا الإسلامي ـ العربي (التاريخ القديم أو الحديث) وتخلينا عنها الآن ونسيناها، والتي لا يحاول أو يجرؤ رجل دين على المطالبة بعودتها من جديد، وإن فعل فأنه في الغالب يتعرض إلى السخرية والاستنكار. هل تستطيع، عزيزي القاريء، أن تذكر واحدة أو أكثر من هذه القيم الأخلاقية المتغيرة في الدين الإسلامي؟
[spacer height=”5px”]
- الهوامش
[1] Bart Duriez and Bart Soenens, “Religiosity, moral attitudes and moral competence: A critical investigation of the religiosity-morality relation, Department of Psychology, Katholieke Universiteit Leuven, Belguim,” International Journal of Behavioral Development Vol. 30, No. 1, (2006): 76-83.
[2] B. Duriez, “Are religious people nice people? Taking a closer look at the religion-empathy relationship,” Mental Health, Religion and Culture 7, no.3 (2004): 249-254.
[3] Harris Interactive, While Most Americans Believe in God, Only 36% Attend a Religious Service Once a Month or More Often [article on-line] (15 October 2003, accessed 22 November 2008); available from http://www.harrisinteractive.com/harris_poll/index.asp?PID=404; Internet. This survey found that “79% of Americans believe there is a God and that 66% are absolutely certain this is true. Only 9% do not believe in God, while a further 12% are not sure.”
[4] Denise Golumbaski, Research Analyst, Federal Bureau of Prisons, The results of the Christians vs atheists in prison investigation. [article on-line] (5 March 1997, accessed 20 November 2008); available fromhttp://www.holysmoke.org/icr-pri.htm; Internet.
[5] Farr A. Curlin, MD, Lydia S. Dugdale, MD, John D. Lantos, MD and Marshall H. Chin, MD, MPH, “Do Religious Physicians Disproportionately Care for the Underserved?,” Annals of Family Medicine, Inc. 5 (2007): 353-360.
[6] David Crary, “Bible Belt Leads U.S. in Divorces,” Associated Press 12 November 1999.
[7] See Chapter 10 of this book for the statistics from this study.
[8] George Barna is an evangelical and long-time pastor. The mission statement on his website states, in part, “We seek to use our strengths in partnership with Christian ministries and individuals to be a catalyst in moral and spiritual transformation in the United States. We accomplish these outcomes by providing vision, information, strategy, evaluations and resources.” Barna Group, What is The Barna Group, Ltd.? [article on-line] (accessed 22 November 2008); available from http://www.barna.org/FlexPage.aspx?Page=AboutBarna; Internet.
من كتاب (فايروس الأله.. كيف يُصيب الدين حياتنا وثقافتنا) تأليف: ديريل ري 2009