ترجمة : شريف الترجمان
تدقيق : رعد طالب
تصميم الصورة : مكي السرحان
[spacer height=”30px”]
تكثر السيناريوهات حول التطور ” قاعدة الطائر والبيضة” ومن منهما أتى أولا، ولكن يبقى السيناريو الاكثر استعصاء والذي يتطلب حلا هو ما إن كانت الحياة قد وجدت قبل تكون الحمض النووي أم العكس؟
[spacer height=”5px”]
حاليا ، تمكن العلماء من الدفع بدليل حول تفاعلات كيميائية حيوية بدائية حدتث في غياب ملح الفوسفات ، وهو مركب الحمض النووي الأساسي والمكون لِلبُنات كيمياء الجينات، الامر الذي ساهم في صب النار على الزيت ليزيد من الجدل القائم حول ما إن كانت عمليات الايض قد وجدت قبل ظهور الحياة. كما قام علماء من جامعة بوسطن ومعهد ماشيتوس للتقنية بتحديد عدد من الخيارات الايضية البديلة التي ليست بحاجة لمركب ملح الفوسفات، وقد مكننا هذا الاكتشاف من سد هوّة النقص في فهمنا لكيفية تطور عمليات الكيمياء العضوية المعقدة لتتحول إلى حياة على سطح الارض.
والحياة كما نعرفها اليوم تعتمد بشكل واسع على كيمياء الاستنساخ الغير مكتلمة، وهي عملية تتطلب توفر نموذج القابل للاستنساخ ووسيلة استغلال الطاقة الكافية فيزيائياً لاعادة ترتيب تركيب مركبات الكربون البسيطة الى مركبات معقدة التركيب.
[spacer height=”5px”]
السؤال المطروح ألان: أيهما وجد أولا: الرمز الكيمائي الذي تطور إلى مركب معقد، أم الخيارات الايضية المعقدة التي تمكنت من استغلال الطاقة لتحويل العمليات الكيميائية الاولية البسيطة الى مركبات عضوية معقدة؟ ان ما يعرف بالفرضية العالمية للحمض الخلوي ، تعتبر العوالق “العصيات” التي تسبح بحريّة في السائل السيتوبلازمي الخلوي الحامضي” أر إن أ” من مهد للعملية والذي يمكن ان نوصفه بالمؤشر الاولي الدال على الحياة، في وجود مركب البوليمر الذي يوظف كلا من المعلومات الاولية للنموذج و الية التفاعل الكيميائي. لكن أحد المشاكل التي يواجهها هذا الطرح هو ان السائل الخلوي “أر إن أ” لا يمكنه العمل بمفرده دون وجود مصدر للطاقة، والتي تتطلب سلسلة من التفاعلات والتي نعتقد انها تشير الى عمليات ايضية مبكرة.
ليس هذا فقط، فحتى جزيء الحمض الخلوي يحتوي على الفوسفات، وهو جزيئ المتواجد بقلة في الطبيعة وبالتالي كان من الصعب ان يتحد مع المركبات العضوية. احد فرضيات ما قبل الحياة تفرض ان النماذج الأولية لعمليات الايض الكيميائية كانت تمتص الطاقة من البيئة في صورة ضوء او حرارة وتقوم بتحويلها من عملية تفاعل كيميائي الى اخر في وسط عصير عضوي غير محاط بالاغشية الخلوية. والنتيجة ان عمليات الايض الاولية هذه تزاوجت مع الحمض الخلوي قبل ان يمر وقت من الزمن وتتحصل على مأوى لها في احد الحويصلات الدهنية ، وهو الكائن الذي يمكن ان نعتبره الخلية الاولية للحياة.
[spacer height=”5px”]
إن عمليات الايض في الكائنات العضوية المتطورة ، على اية حال، تعتمد بشكل كبير على مركبات مثل ادينوسين ثلاثي الفوسفات ” أ، تي، بي” و نيكو تيناميد أدينين دينوكلاويد الفوسفات”إن أ دي بي” و هو ما شكل قلقا لنظرية جزيء الفوسفات القديمة مجددا. إن خيارات عمليات الايض البديلة التي قام الباحثين بالاستدلال عليها تعتمد في الاساس على جزيئات تكونت باستخدام الكبريت، وهو المركب المتوفر بكثرة في محيطات كوكب الارض منذ مليارات السنين.
[spacer height=”5px”]
ويقول الباحث دانييل سيرجي من جامعة بوسطن ” اهمية هذا العمل تكمن في ان الجهود التي ستبذل مستقبلا في محاولة التوصل لفهم أصل الحياة يجب ان تأخذ في الاعتبار الاحتمال الارجح بأن عمليات الايض المعتمدة على الفوسفات ، وهي العملية الحيوية اليوم، ربما لم تكن موجودة عندما بدات أول عمليات تكون الحياة”. كما أن فكرة كون الكبريت أساس مرحلة عمليات الايض الأولية ليست حديثة، ففي في بداية القرن العشرون اقترح الكيميائي الألماني “كوينر فاست شوستر” بأن مركبات مثل كبريتيد الحديد وكبريتيد النيكل قد لعبا دور المحفز في تكوين وتثبيت الكربون عند حواف فتحات البراكين في أعماق المحيطات، ليقوما بعمليات الايض الأولية البسيطة في ما أطلق عليه ” الكائنات الحية الأولى”.
[spacer height=”5px”]
كيمائيا، يبدو هذا مقنعا، حيث قام هذا الطرح بربط عدد من التفاعلات الكيميائية الداخلة في عمليات الايض التي كانت فرضية ” الكبريت-الحديد” العالمية تفتقر إليها. ويمضي الباحث سيرجي في قوله ” الحلقة التي كانت مفقودة حتى ألان تتمثل في الأدلة الدامغة حول كون العمليات الأولية هي من شكلت عمليات الايض البدائية التي كانت مسؤولة بشكل كبير عن توفير طاقة التفاعلات الأساسية، بدلا من كونها مجرد تفاعلات حدثت بشكل مشتت ” وهكذا قام الباحث سيرجي وفريقه بتطبيق أنظمة بيولوجية تعتمد على الكمبيوتر ، أي النهج النظري الذي يستخدم فيه نماذج رياضية لاستكشاف السلوكيات الفرعية للتفاعلات الكيميائية التي حدثت تحت سطح الماء وذلك لتحديد مجموعة من ثمان مركبات لا تحتوي في تركيبها على مركبات الفوسفات والذي كان متوفرا بكثرة في أعماق المحيطات قديما.
[spacer height=”5px”]
ثم قام الفريق بتطبيق اللوغاريتمات لتمثيل عمليات الايض البدائية بالاعتماد على هذه المركبات الكيمائية مثل كبريتيد الحديد ومركبات الكبريت الأخرى التي تحتوي على مركبات تسمى ” الثيوسترس” مما سمح لهم بتحديد عدد التفاعلات الكيمائية المختلفة التي قد تكون حدثت.
[spacer height=”5px”]
لقد توصل العلماء لاكتشاف عدد 260 تفاعلا ايضيا من مجموع 360 تفاعلا كيمائيا رئيسيا ، والتي كانت قد ساعدت في تكوين عدد كبير من المركبات العضوية المعقدة الضرورية لنشأة الحياة، من بينهم الأحماض الامينية والكربوكسيلية. لقد لجأنا لتجميع ما يمكن تجميعه من أدلة وقمنا بتطوير هذا النموذج الرياضي انطلاقا من قلة الأدلة التي قدمتها كيمياء الاحفوريات . وعلى الرغم من أن هذا الطرح لا يقدم دليلا إيجابيا على أن الحياة قد نشأت دون الحاجة إلى مركب الفسفور، إلا انه قد ساهم في إضافة دليل الى احتمالية ان الحياة قد بدأت بعمليات كيميائية لم تعد الكائنات الحية تعتمد عليها ألان. ويضيق سيرجي ” إن فكرة تحليل عمليات الايض على أساس انها ظاهرة كونية او بيئية بدلا من كونها تختص بالكائنات الحية فقط قد يكون له تأثيرات على فهمنا للكائنات الدقيقة أيضا.
[spacer height=”5px”]
المصدر : هنا