تمتلئ صفحاتُ التاريخ بقصصٍ عن المآسي والضياع واليأس، وفي بعض القصص توجد إضاءة أمل في شخصيات العشاق الذين لا يتملكهم اليأس في حبهم الحقيقي، ملوكٌ وملكات؛ أباطرةٌ وإمبراطورات؛ عشيقاتٌ ومحظيات. فالحب لا يكترث للمسميات والعناوين. لقد بلغت بعض قصص الحب من القوة لأن تصبح تاريخَ أُمّة.
6. (جَسْتِينيان) و(ثيودورا):
يتسائل اليونانيون في القسطنطينية: «من تلك المرأة التي تمتلك تلك السيطرة على قرارات زوجها؟»، مشيرين إلى (ثيودورا) زوجة (جستينيان) إمبراطور بيزنطة.
كان (جستينيان) إمبراطوراً غيرَ محبوبٍ في ذلك الوقت؛ بسبب الضرائب العالية التي كان يفرضها والتي تزامنت مع تفشي الطاعون الذي أصاب معظم الناس. وكَوْن زوجتِه من الطبقة الفقيرة لم يجعل الأمر أسهل، كانت زوجته ابنةً لمدربِ دِبَبَة في السيرك، وعملت بعدها ككومبارس وممثلة. ومن الجدير بالملاحظة أن العمل كممثلة لم يكن رائعاً كما هو اليوم، أن تُدعَى المرأة «ممثلة»؛ كان في ذلك الوقت يَدُل على أنها «عاهرة».
ورغم ذلك فقد ربحت قلبَ الإمبراطورِ، وتزوجوا عام 525 ميلادية. وبدأت (ثيودورا) مباشرة بتوفير الأمن وتثبيت حقوق المرأة في الإمبراطورية؛ وحظر بيوت الدعارة وزيادة حقوق الزواج والمهور ومنع القوادين من جمع المال من العاهرات.
ورغم ذلك؛ استمرت التوترات بالاتجاه نحو الأسوء في العاصمة، وخلال أحد الاضطرابات في الـ13 من تشرين الثاني عام 532؛ بدأت الجماهير في ساحة الألعاب بالهتاف بكلمة (Nika) التي تعني «النصر» أو «الفتح». وانطلق (جستينيان) إلى جناحه للاستعداد للتنحي ومغادرة القسطنطينية، وعندما نظر خلفه رأى (ثيودورا) مصممةً على ما أخبرته به قائلةً: «لن أعيش اليوم الذي لا أُحيا فيه كإمبراطورة». فشجّع عنادُ (ثيودورا) الإمبراطورَ على أن يصمُد. وسُرعان ماخمدت الثورة، وأعاد (جستينيان)بناء كنيسة «القديسة صوفيا» التي حُرقت على الأرض بعد ثورة Nika؛ كمعمارٍ مهيبٍ نراه شامخاً اليوم في إستانبول.
5. (باجي راو) و(مستاني):
قلَّما نَجدُ في التاريخِ والثقافةِ الهنديةِ الغنية قصةَ حُبٍّ منافسةً لقصةِ حُب «شاه جَهان» و«ممتاز محل»، والتي كانت سبَب بناء «تاج محل». لكن مايعرفه القليلُ ممن يعيشون خارج الهند هو قصة «ماستاني محل».
على الرغم من أنه الآن مجردَ بناءٍ يمثل الروح الأولى؛ إلا أنه لا يزال يحمل أمنياتِ شخصَيْن تجاوز حبُّهما التقاليدَ والأديانَ، أحدهما هندوسيّ والأخر مسلم. كان (باجي راو) «بِيشْوا» هندوسي؛ أي بمنزلة رئيس الوزراء، ويحكم البيشوا اتحاد «الماراثا»؛ وهو المعقل الهندي الأخير لحكم الهندوس قبل احتلال بريطانيا. حقق «الماراثا» أوجهم تحت حكم (راو)؛ القائد الثابت ذو المهارة العالية، والذي لا يُهزم في المهام المتعددة.
وبجانب هذا؛ كان (راو) مُحِباً بائساً، فعلى الرغم من أن زواجه من (مستاني)، المرأة المسلمة الجميلة والجذابة؛ قوبل بالنقد من عائلته والمجتمع بوجهٍ عام، ولكنهم كانوا غارقين في الحب. حتى أن المؤرخين ذكروا رومانسيتَهم، ووصفوا (مستاني) بـ«الفتاة المسلمة الراقصة المتأثرة بالبيشوا».
تآمرت عائلة (راو) لإبعاد (مستاني) عنه قدر استطاعتهم؛ بسبب غيرتهم منها، وبسبب معتقداتهم المحافظة. وبحسب المؤرخ (كوسم چوبرا)؛ فقد قاد بُعد (مستاني) عن (راو) إلى الشُرْب، وبعد معرفته بموت (مستاني) السابق لأوانه؛ قاده الشُرْب مبكراً إلى القبر.
في 2009؛ نبش اللصوصُ قبر (مستاني) آملين في إيجاد كنزٍ مدفونٍ. إذا كان هناك شيءٌ واحدٌ يمكن أن يشفي قروناً من الحقد والكراهية؛ فسيكون قصةَ حب جيدة.
4. (جوزيبي غاريبالدي) و(أنيتا):
كسب (جوزيبي غاريبالدي( سمعته السيئة باتباعه التمرد الفاشل في بيدمونت Piedmont في إيطاليا. وبعد إدانته بالموت هَرَب إلى فرنسا وبعدها إلى البرازيل، وتطوع كقائدٍ بحريٍّ في جمهورية صغيرة حاولت القيام بثورة ضد الإمبراطورية البرازيلية.
في ذلك الوقت التقى (أنيتا) وأفتُتِن بها على الفور. وبالرغم من أنها كانت متزوجة؛ لكن زوجها كان فاسداً، وذلك ماجعل خيارها بالهروب مع (جوزيبي) أفضل الحلول. صاحبت حبيبها في مغامراته الثورية وارتباطاته العسكرية باستمرار. وبجانب سفينة (غاريبالدي)؛ كانت (أنيتا) تأخذ احتياطاتها عندما يواجِهون سفينةً معادية، وأصبحت لاحقاً تعتني بنقلِ وعلاجِ الجرحى من الثوار، وتذهب في أسفارها المفردة في الأراضي المعادية.
وفي إحدى المعارك في تموز 1840؛ قادت (أنيتا) سلاحَ الفُرسان الخاص بـ(غاريبالدي) على الرغم من أنها كانت حاملاً في شهرها الثامن. وبعد سنتين؛ بينما كان الإثنان يساعدون الاورغويين ضد الأرجنتين؛ علمت (أنيتا) بموت زوجها. وفي عام 1847؛ أبحرا عبر المحيط الأطلسي عائدَيْن إلى فرنسا، حيث كان (جوزيبي) يحث الايطاليين الوطنيين للقتال من أجل الوحدة.
كانت أنيتا تساعده بتجنيد الرجال وتزويدهم بالأسلحة. وعندما انهارت الجمهوريةُ الرومانية قصيرة العمر؛ قاد (جوزيبي) و(أنيتا) المتطوعين بصعوبة إلى روما. لكن حَلَّت ضربةٌ مأساوية في 4 آب عام 1849؛ عندما مرضت (أنيتا) شريكة (جوزيبي) دائمة الحضور ورفيقته المساندة دائماً ثم ماتت. وبالرغم من أن (جوزيبي غيرالدي) قد تزوج مرةً أخرى وأصبح أحد الأباء المؤسسين لإيطاليا؛ إلا أن موت (أنيتا) بقي يُشعره بالحزن حتى يوم وفاته في 2 من حزيران 1882.
يمكنك الاطلاع على الجزء الاول هنا
المصدر: هنا