______________________________
بقلم: ميليسا هوجنبوم
.المحرر العلمي- راديو بي بي سي للعلوم
ترجمة: عمر أكرم
تصميم البوستر: جوان حاج سليمان
_____________________________
علم الأعصاب يعدُّ من المجالات الطبية التي تشهد نمواً سريعاً و تحظى بشعبية لدى الناس.
لكن و على الرغم مما يشهده هذا المجال من تطّور، فإنه عندما “يتحقق فتح (كشف) علمي”بخصوص منطقة معينة في الدماغ لا يكشف لنا الكثير مما نودُّ معرفته حول الآلية الداخلية التي يعمل وفقها العقل.
و الكثير منا قد رأى صوراً للدماغ و قرأ القصص عنه، حيث ثمةَ صورة جميلة للدماغ، تسلّط الضوء على منطقة منه جرى التوصل إلى أنها مصدر لبعض العمليات و المشاعر مثل الخوف أو الاشمئزاز، أو حتى الاضطرابات في القدرة على الانخراط في علاقات اجتماعية.
و هناك الكثير من القصص التي قد تقودنا إلى الأعتقاد بأنه قد جرى الكشف عن مساحات من الغموض الذي يحيط بالدماغ، و ذلك أكثر مما عليه الواقع بالفعل.
و مع أن هذه التكنولوجيا مذهلة، فإن “تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي” “- functional magnetic resonance imaging (fMRI)” ، و هي واحدة من أشهر طرق المسح التحليلي بالأشعة، إلا أنها لا تقيس في الواقع سوى التغيرات الموضعية لتدفق الدم إلى مناطق في الدماغ، و لا تصور الأعصاب بشكل مباشر.
و يستخدم الباحثون تلك التكنولوجيا إذا ما أرادوا التعرف على جزء من الدماغ يقوم بمهمة (وظيفة) معينة، و يمكنهم من خلالها وضع شخص ما تحت جهاز مسح الدماغ، و مشاهدة المنطقة التي تكون نشطة.
اضاءة الدماغ Lighting up the brain
و عندما تضيء مناطق بعينها في الدماغ أثناء عملية المسح تلك، فإنها تشير حينذاك إلى أنها هي المسؤولة عن أداء تلك المهمة.
إلا أن صور النتائج و فكرة “إضاءة الدماغ” نفسها يمكن أن تؤدي إلى ما هو أبعد من التفسير.
المتخصصة في علم الأعصاب بكلية لندن الجامعية، مولي كروكيت توضّح: أنه في الوقت الذي يعد فيه استخدام تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي مفيدا جدا، فإن الطريق لا يزال طويلاً حتى نكونَ قادرين على أن نقرأ ما يدور في عقل الإنسان من خلال عملية المسح بالأشعة لدماغه فقط.
و أخبرت الدكتورة كروكيت بي بي سي بما نصه: “لدينا مفهوم خاطئ لا يزال منتشراً، و هو أنه يمكنك النظر إلى بيانات تصوير الدماغ لشخص ما، و من ثم ستكون قادرا على قراءة أفكاره و مشاعره، و ذلك ليس صحيحا بالتأكيد.”
وأضافت: “ستكون هناك دراسة قد أنجزت لتخبرنا عما يدور في الدماغ، إلا أن ما يسعى الناس وراءه بالفعل هو حدوث طفرة في فهم العقل.”
و استشهدت بمقال تحت عنوان :”حرفيا أنت تحب هاتف الآيفون الخاص بك”، حيث إنه في تلك الحالة لاحظ فريق البحث أن منطقة في الدماغ كان قد تم ربطها في السابق بمشاعر الحب قد نشطت عندما شاهد المشاركون في تلك الحالة جهاز الآيفون و هو يرن.
إلا أن تلك المنطقة في الدماغ أيضا كانت قد تم وصفها من قبل بأنها ترتبط بمشاعر “دائرة الكراهية” “hate circuit،” و الاشمئزاز، و بأنها أيضا هي مركز الإدمان في الدماغ. “the brain’s addiction centre.”
و يسلّط هذا المثال الضوء على ما يعرفه العديد من علماء الأعصاب، و مفاده أن منطقة واحدة بالدماغ يمكن أن ترتبط بالعديد من العمليات الإدراكية.
و يمكننا أن ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة، إذ يمكننا أن نعتبر الدماغ و كأنّه جهاز معالجة ضخم يحوي المليارات من الخلايا العصبية، حيث يُعتقد أن كل مليمتر مكعب فيه يحتوي على حوالي مليون خلية عصبية.
لذلك فمن المستحيل حتى الآن أن نقوم بتحليل الخلايا العصبية الفردية لدى البشر.
قراءة الدماغ Brain reading
إلا أنه و عند “فك شفرة” “decoded” البيانات التي تخرج من المناطق النشطة في الدماغ، فإن الأنماط يمكن أن تقدّم بعض النتائج المثيرة.
و قامَ فريق بحثي بجامعة كاليفورنيا، بيركيلي، بتقديم مقاطع فيديو لمجموعة من المشاركين في الدراسة، و وضعهم تحت جهاز مسح بالأشعة، ثم قام بتحويل الإشارات الكهربائية في الدماغ إلى مقاطع فيديو. اتضح فيما بعد أنها تشبه إلى حد كبير ما كانوا يشاهدونه. يمكنك مشاهدة نتائجهم من هنا: http://gallantlab.org/publications/nishimoto-et-al-2011.html
لكن جاك جالانت، صاحب الدراسة، اعترف بأنه لم يقم بـ “قراءة العقل” “mind reading” ، لأنه لا يعلم في الحقيقة ما هو “العقل”!.
و قال: “من ناحية أخرى فإنني أقوم ببعض “القراءات للدماغ”، و هي ببساطة عملية لفك شفرة المعلومات التي يتمُّ اعادة استرجاعها من قياسات نشاط الدماغ.”
و تابع قائلا: “من الناحية النظرية، فإن هذه عملية واضحة، و لكن أي نتائج لقراءة الدماغ ستكون متحددة بالتأكيد بجودة قياس نشاط الدماغ، و جودة نماذجه الحسابية.”
و أجرى مارتن دريسلر، و هو من معهد ماكس بلانك للطب النفسي في ألمانيا، دراسةً مشابهة يُظهر من خلالها أن مسح الدماغ يمكن أن يساعد في تفسير لحركة بسيطة من أحلام المشاركين في الدراسة، كحركة اليد مثلا.
و قد كان المشاركون في دراسته يقتصرون على الحالمين بوضوح لأنهم قادرين على السيطرة على أحلامهم لخاصة بهم.
و تمكنت دراسة أخرى أُجريت مؤخرا من إعادة تحديد وجوه و رسمها بناء على النشاط الدماغي.
قياس الوعي Measuring consciousness
و بنظرةٍ أكثر اتساعاً، يرى باحثون آخرون أن عمليات المسح بالأشعة للدماغ تعتبرُ أيضاً أدوات تفيد في فهم حالة الوعي.
و في هذا الإطار، توصلت دراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة لانسيت العلمية The Lancet إلى أن عملية تصوير الدماغ كان من شأنها أن تساعدَ في التنبؤ باحتماليّة استعادة مريض ما لوعيه.
و قال سريفاس تشينو، من جامعة كامبريدج: “إن فهمنا لحالة الوعي قد تطوَّر بشكل بارز خلال العقدين الماضيين،” كظاهرة برزت من شبكات المناطق المتفاعلة في الدماغ”.
و هو يستخدم صور الدماغ في إظهار كيفيّة تأثّر تلك الشبكات بتغيّر حالات الوعي، مثلما يحدث عقب إصابة المخ أو عند التخدير.
“هذه التطوّرات تبشّر بالخير بالنسبة للفهم الكامل و قياس الأسس العصبية للوعي في العقد أو العقود المقبلة.” يقول الدكتور تشينو.
و يضيف قائلاً: “أنا سعيد لرؤية وجود نمط من علم الأعصاب نحاول فيه الابتعاد عن علم تقنية الرنين’blobology’ حيث ننظر إلى الأجزاء من الدماغ التي تضاء لمنظورٍ أكثر تطورا، و بالتأكيد ضمن ساحة حالة الوعي”
و من الواضح أن هذا المجال يتطوَّر بسرعة، لكن الدكتور دريسلر يؤكّد على أنه و في الوقت الذي يمكن لتجارب بعينها أن تبدأ في تفسير أنماط التفكير بصرياً، فإن ذلك ممكنٌ فقط بعد ساعاتٍ طويلة من استعداد المشاركين في الدراسة للقيام بها.
و أضاف دريسلر: “تبقى المشكلة الأكبر في أن كل دماغ يختلف عن الآخر، و لا يمكن تطبيق طرق معادلات رياضية حققت نجاحاً مع عقل شخص ما على عقل شخص آخر دون أن تكون هناك مشكلات تواجه ذلك.”
و انها ليست سوى عبارة عن “شكل خام جداً من قراءة العقل اذا كنت تريد تسميتها على الأطلاق”، يضيف أيضاً.
لذلك فإنه و في الوقت الحاضر الذي أصبح فيه من الممكن رؤية أنماط تفكير جرى التحكم بها بحذر من خلال عملية مسح الدماغ بالأشعة، إلا أن قراءة الأفكار و المشاعر المفصّلة و المحدّدة من خلال عملية المسح فقط لا يزال ضربا من الخيال.
المصدر:
http://www.bbc.com/news/science-environment-27221632
#المشروع_العراقي_للترجمة
#الدماغ
#قرأة_العقل_البشري