تم تأسيس مكتب تصميم طائرات الميغ في 1939 من قبل كل من آرتيم ميكويان (M)، و ميخائيل جيروفيتش(G)، أما حرف الـ(I) فيعني بالروسية (و) أي أن اسم المكتب هو (ميكويان و جيروفيتش).
لم يكن مصمم الطائرات الروسي روستيسلاف بيلياكوف الذي توفي في الثامن و العشرين من شهر شباط سنة 2014 عن عمر ناهز 94 عاماً اسماً مشهوراً، غير أن الطائرات التي ساهم في تصميمها كانت ذائعة الصيت. كلمات قليلة يمكن أن تختصر تعريف الحرب الباردة تماماً مثل الحروف الأولى لاسم مكتب التصميم الذي أداره بيلياكوف لعقدين من الزمن أي “ميغ”.
طائرات الميغ التي ساهم بيلياكوف في جعلها تطير بعد أن كانت مجرد مخططات قام بتنسيقها على لوحة الرسم، كانت من بين أكثر طائرات الاتحاد السوفيتي إثارةً للإعجاب و التي منها: طائرة الميغ-23 المقاتلة النفَّاثة ذات الجناح القابل لتغيير زاوية الميل، و كذلك طائرة الميغ-25 الضخمة التي بإمكانها أن تطير 3 مرات بقدر سرعة الصوت، و طائرة الميغ-29 النفَّاذة ذات المحركين و التي صُممت لمقارعة الطائرة الأمريكية أف-16.
تولى بيلياكوف منصب مدير عام مكتب ميغ بعد وفاة المؤسس آرتيم ميكويان في سنة 1970، إنضم بيلياكوف للشركة في عام 1941 للمساهمة في إدخال تعديلات على المقاتلة ميغ-3 التي واجهت مصاعب تصميمية. أصبح اسم الميغ مشهوراً مع إنتاج الميغ-15 المقاتلة التي سببت ذُعر الغرب حين حلقت في سماء كوريا عام 1950.
“أعادت تلك الطائرة النفَّاذة ذات الفعالية العالية المدمجة، السريعة، و ذات قابلية المناورة تعريف الصراع على الأجواء في الحرب الكورية”، هذا ما قاله جوناثان غلانسي الكاتب في شؤون الطيران و التصميم و يضيف قائلاً: “رؤية طائرة الميغ-15 اليوم سواءً كان ذلك في متحف أو موضوعةً على قاعدة عرض أو وهي تطير يستحضر و بلمحة بصر حقبة الحرب الباردة”. كانت أي طائرة نفَّاذة روسية هي ميغ بنظر الشخص العادي في الخمسينات و الستينات، أصبح اسم الشركة شاملاً لأي قاصفة أو مقاتلة روسية تتم مشاهدتها وهي تجوب المدارج من موسكو و حتى مابوتو عاصمة موزمبيق.
أصبح بيلياكوف أحد كبار مصممي مكتب ميغ و مشاركاً في تصميم طائرة الميغ-21 ذات الأجنحة المثلثة التي تواصل إنتاجها قرابة 50 عاماً، غير أن أعماله التصميمية الأكثر تحدياً ستأتي في العقود المقبلة حيث استطاع أن يأخذ تصاميم مكتبه إلى مواقع الصدارة بتصميم الأجنحة القابلة لتغيير زاوية الميل و من بعدها الطيران إلى حافة الفضاء الجوي.
يعتقد غلانسي أن طائرة الميغ-25 الضخمة أو كما يطلق عليها الغربيون اسم “فوكس بات/الثعلب الطائر” –و هي بضخامة القاصفة البريطانية لانكستر المستخدمة في الحرب العالمية الثانية و تفوق سرعة الطلقة- كانت واحدةً من أكثر تصاميم بيلياكوف إبهاراً، “كانت الميغ-25 سريعة بشكل مذهل، تلك الطائرة ذات عدد ماخ الذي يساوي 3 صُممت لاعتراض الجيل الجديد من القاصفات النووية الأمريكية بعيدة المدى و بالأخص إكس بي-70 فالكيري تلك القاصفة الشبيهة بطائرة الكونكورد و التي كان بمقدورها الطيران بسرعة 3 ماخ وبعلو 70000قدم(21.336كم)، مَثَّلت الميغ-25 ذات المنظر الرائع و الدفع المزدوج عقاباً للقاصفات الأميركية و مصدراً دائماً للمتاعب” (عدد ماخ هو حاصل قسمة سرعة الجسم المتحرك على سرعة الصوت في الوسط المحيط)، و بينما لم تدخل القاصفة الأمريكية معقدة التصميم فالكيري الخدمة الفعلية، دخلت ما يقارب من 1186 طائرة ميغ-25 الخدمة الفعلية.
أرعبت البنتاغون تلك الصور الخاطفة الملتقطة لطائرة بيلياكوف بواسطة قمر تجسس صناعي أمريكي، و ساعدت في تحفيز و تسريع تطوير الطائرة أف-15 المُسماة النسر وهي واحدة من دعائم القوة الجوية الأمريكية في المراحل الأخيرة من الحرب الباردة. عند هروب الطيار السوفيتي مع طائرته الميغ-25 في سنة 1976، قام عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية بتفكيكها إلى قطع ثم أعادوا تجميعها قبل أن يعيدوها إلى الاتحاد السوفيتي.
التقى دوغلاس باري من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية ببيلياكوف لأول مرة أثناء جولة قام بها إلى روسيا بُعيد انهيار الاتحاد السوفييتي، “رغم أنه كان في بداية السبعينات من العمر إلا أنه كان مهتماً و بحماس بمكتب التصميم حتى في ذلك الظرف الذي عُد من أصعب الأوقات على الشركة “، و يضيف قائلاً: “انهيار الإتحاد السوفييتي تبعه مباشرةً انهيارٌ في الإنفاق العسكري، خلال التسعينات عانت مكاتب التصميم المشهورة و المرموقة مثل ميغ و ناضلت من أجل البقاء”، و يُردف قائلاً: “حتى بعد تنحيه عن شغل مناصب مهمة في ميغ كان دائم الحضور لعرض موسكو الجوي و كان يشارك في بعض المؤتمرات الصحفية التي يعقدها مكتب ميغ”.
أعظم نجاحاته كما يقول باري كانت في كونه كان السبب وراء بقاء مكتب ميغ مكتب تصميم الطائرات الأفضل في الاتحاد السوفيتي مع منافسه مكتب سوخوي.”هذا ما أظهره اختيار مكتب ميغ لتصميم مقاتلة الجيل الخامس وفق مواصفات القوة الجوية الروسية “، و يضيف قائلاً: “تم بناء النموذج الأولي للتصميم و الذي عُرف بالأداة رقم 1.44 وبعدها بفترة قصيرة طارت تلك الطائرة بشكل تجريبي، إلا أن روسيا في التسعينات لم تكن قادرةً على تمويل مشاريع التطويرالدفاعي و لذا تم بعد فترة قصيرة إلغاءُ البرنامج”.
لا تزال عشرات طائرات الميغ تخدم في القوات الجوية، أظهر تسجيل متلفز للأزمة في أوكرانيا العديد من طائرات الميغ و هي جاثمة في مدرج مطار”بيلبيك/ سيفاستوبول ” المتنازع عليه في القرم. رغم أن عائدات مكتب ميغ فشلت في الوصول إلى مستوى منافسه الروسي سوخوي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن اسمه لن يختفي بعد فترة قصيرة، حيث لا تزال الميغ-35 وهي النسخة المُحدَّثة من الميغ-29 في طور التحسين، و بينما من المُستبعد أن يدخل النموذج الأولي الأداة 1.44 الخدمة، إلا أن بإمكان طائرة التدريب التي تُدعى (أي تي) أن تحمل اسم ميغ لفترة طويلة في القرن الحادي و العشرين.
المصادر: