بقلم: لورانس ستنبيرغ
ترجمة: مها عامر
إن مسألة تأخر وصول الشباب الى سن الرشد هي واحدة من أهم التغييرات الديمغرافية الملحوظة في العقدين الاخيرين، وذلك وفقاً لما جاء في دراسة وطنية واسعة أُجريت منذ اواخر السبعينيات. حيث أظهرت الدراسة أن كل جيل يقضي وقت أطول من الجيل السابق لإكمال المدرسة وللاستقلال المادي وللزواج وللأمومة والأبوة، و بمقارنة الشباب الحالي بعمر 25 سنة مع جيل آبائهم عندما كانوا في نفس المرحلة العمرية، نجد أن معدل الطلاب في الجيل الحالي أكثر مرتين من الجيل السابق، والمتزوجين في هذا العمر من الجيل الحالي أقل بمعدل النصف من جيل أبائهم و بزيادة 50% هم الذين مازالوا يأخذون المصروف اليومي من والديهم.
تميل ردود أفعال الناس تجاه هذه النزعة الى واحد من أمرين: إما يلومون شباب اليوم على كسلهم أو يعترفون بأن التأخر المنطقي لسن البلوغ – واذا كان الأمر يؤسف عليه – هو نتيجة لتنوع التغييرات الاجتماعية مثل قلة فرص العمل، وبكلا الحالتين ينُظر للمُسببات المسؤولة عن تأخر سن الرشد على أنه أمر سيء. أن هذه نظرة تشاؤمية، بينما أن إطالة فترة المراهقة في الظروف المناسبة هو أمر جيد في الواقع وذلك لتشجيعها على السعي وراء التجدد و اكتساب مهارات جديدة. حيث كشفت الدراسات أن المراهقة هي الفترة التي تتزايد فيها “المرونة” وهي المرحلة التي يتأثر فيها الدماغ بالتجارب. وبالتالي فأن المراهقة هي مرحلة فرص و ضرر بنفس الوقت، هي ذلك الوقت المحدد لتعلم الكثير خصوصا عن الحياة الاجتماعية لكن عند التعرض لأحداث مؤثرة قد يكون وقت مدمر بشكل بارز.
بعد انتهاء فترة المراهقة سلسلة من التغيرات الكيميائية العصبية تجعل الدماغ اقل مرونة واقل حساسية للتأثيرات المحيطة بصورة تدريجية، وحالما نبلغ مرحلة الرشد تُتلف دوائر موجودة بالدماغ من غير الممكن اصلاحها لاحقا. قد تفترض أنها ظاهرة بيولوجية بحتة إلا أنه من غير المعلوم فيما اذا كان توقيت التحول من المراهقة الى الرشد هو أمر وراثي مبرمج منذ الولادة او بحكم التجارب او مزيج من الحالتين. بالاضافة الى ذلك أوجدت الدراسات انحدارا ملحوظا في السعي وراء التجدد عندما نصل للعشرينيات من العمر والتي قد تكون سبباً في التغييرات الكيميائية العصبية وليست نتيجة فحسب. وإن صح القول “بأن انخفاض السعي وراء التجدد يساعد على تصلب الدماغ”، فهذا يثير اسئلة فضولية حول ما اذا كان من الممكن ابقاء نافذة مرونة الدماغ في فترة المراهقة مفتوحة لفترة اطول قليلا من خلال التعرض المتعمد لعوامل تحفز الخبرات والتي تدل على ان الدماغ غير جاهز تماما للأستقرار في مرحلة البلوغ.بدون شك ان التطور يضع الحدود العليا للبيولوجيا لحساب الفترة الممكنة التي يحتفظ فيها الدماغ بمرونة المراهقة.
الا ان الاشخاص الذين يتمكنون من إطالة مرونة الدماغ في المراهقة حتى لو كانت لفترة وجيزة يستفادون من مزايا فكرية اكثر من اقرانهم ذوي الادمغة الاكثر خمولاً في نفس الفترة العمرية. على سبيل المثال وجدت الدراسات ان الذين يمتلكون معدلات ذكاء عالية يتمتعون بفترة اطول من استمرار تكاثر نقاط الاشتباك العصبي الجديدة، ويبقى تطورهم الفكري حساس تجاه التجارب . من المهم التعرض للتجدد والتحدي عندما يكون الدماغ مرن ليس فقط لانها الكيفية التي نكتسب و نقوي الخبرات من خلالها وانما لان هذه هي الكيفية التي يعزز فيها الدماغ قدرته للاستفادة من خبرات المستقبل الخصبة.مع الملاحظة ان الكثير من الاشخاص في الوقت الحالي لا يأسفون على طول الفترة التي يمر بها المراهق للوصول الى مرحلة البلوغ التي تُميز اوائل العشرينيات من العمر. بالفعل هؤلاء الذين يتمكنون من اطالة فترة المراهقة يستفادون اكثر، طالما الظروف المحيطة تمنحهم حافز متواصل و تحديات متزايدة. ما الذي أعنيه بالحافز والتحديات؟ المثال الاكثر وضوحاً هنا هو التعليم العالي، والذي يُظهر ان تحفيز نمو الدماغ بأستخدام طرق لا تجدي نفعا مع فئة عمرية اكبر، وأن حضور الكلية يقدم للاعصاب ما يشبه الارباح الاقتصادية فقط. من الطبيعي أن بإمكان الاشخاص الذين يرتادون الكلية عدم تعريض انفسهم للتحديات، او، على العكس، احاطة انفسهم بتجارب تتطلب ابداع و افكار في مجال العمل. لكن بصورة عامة، هذه المهمة من الصعب انجازها على مستوى العمل اكثر مما كان في الدراسة، خصوصا في المناصب الوظيفية الاولى، والتي تحوي معدل تعليمي تصل الى اعلى مستوى من الاستقرار النسبي في مراحله الاولى. للأسف الامر نفسه ينطبق على الزواج، بالنسبة للكثيرين بعد زوال الحدث الجديد، فأن الزواج يتبنى اسلوب حياة أكثر روتينية وخالي من المفاجأت كما في حياة العزوبية.
أفاد كلا من الأزواج و الزوجات عن انخفاض حاد في الرضا عن الزواج خلال السنوات الاولى بعد القِران، ويعود السبب جزئيا الى الرتابة. إن قضاء فترة طويلة في المواعدة، الى جانب كل التغيرات والمفاجأت التي تأتي مع شخصية الشركاء الجدد، قد تكون أفضل لدماغك أكثر من الزواج. اذا كان من الممكن الحفاظ على مرونة الدماغ من خلال ابقاءه منشغلاً في نشاط جديد مُتطلب و محفز للمعرفة، وفي نفس الوقت اذا كان دخوله في أدوار متكررة و اقل حماسة في العمل او الزواج يغلق نافذة المرونة، فأن تأخير النضج ليس جيدا فقط بل من الممكن ان يكون نعمة.لورانس ستينبرغ، استاذ علم نفس في جامعة تمبل، مؤلف ” عمر الفرص: دروس من علم المراهقة الجديد”.
المصدر: هنا