الرئيسية / أجتماع / عاطل عن العمل؟ هذا لا يعني أن تعمل بأي وظيفة!

عاطل عن العمل؟ هذا لا يعني أن تعمل بأي وظيفة!

مما لا شك فيه أن سوق العمل قد يكون أكثر مرونة مما يتصور الكثير منذ حلول الأزمة المالية. حيث لم ترتفع نسب البطالة بقدر ما كان يُخشى وكان الانتعاش في سوق العمل أسرع مما كان يتوقعه حتى الخبراء الاقتصاديين الأكثر تفاؤلاً. أليس وقتاً مناسباً لتهنئة أنفسنا رغم الصفعات التي يوجهها واضعي السياسات؟ ظاهريا، على الأقل، فأن الحصول على فرصة عمل تعد ضرباً من أعجاز نظراً لسياسة التقشف وشد الحزام  المتبعة حالياً. 

للأسف، ومن خلال دراسة منهجية لنوع العمل الذي يؤديه كثير من الناس في المملكة المتحدة الآن، فإن نوع العمل لا يشكل قضية مهمة رغم كون سوق العمل في بريطانيا يسير بوتيرة  وبنمو جيد لكن آثار المشكلة المتنامية في نوعية الفرص الرديئة وحتى فرص العمل المؤقت بالضبط هو ما يهدد القدرة الإنتاجية والتنافسية ومستويات الاندماج الإجتماعي وفي نهاية المطاف صحة القوى العاملة ونشاطها.

سوف يجادل الكثير إن مثل هذا العمل الطارئ أمر ضروري وأساسي إذا ما كنا نروم بناء سوق عمل مرنة، وطبعاً هذا ما كان عليه الحال دائماً، ولكن ماذا عن آثار مثل هكذا عمل على من يحيون بكنفه؟

لقد ركزتُ في بحثي هذا على العلاقة بين اقتناص مثل هذه الفرص (الالزامية) وكيف تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للقائمون بها. والنتائج تدفعنا أن نسأل وربما بشكل راديكالي متطرف، هل نحن وبالعمل الدائم نكون أفضل حالاً؟

العمل والرفاهية

تعتمد نوعية الصحة النفسية بالعمل وبدرجة كبيرة على الدور الرقابي والاستقلالية والتحدي والتنوع وكذلك تقدير الجهود، كل هذه العوامل تؤثر على المدى الذي يُعزز به العمل أو يؤثر سلباً على تكويننا النفسي والإحساس بالإرتياح. هنالك صلة واضحة وترابط قوي بين القيام ب “عمل جيد” وصحة العامل النفسية، تأثير هام يفهمنا إن هذا الرابط قد جاء من الأسرة والدخل الديناميكي  في أستراليا.

لقد تضمن مسح بقارة أستراليا مجموعة من البيانات التي يمكن بسهولة مقارنتها مع حالات ثانية من البطالة. ونشرت النتيجة من قبل بيتر بترورث وزملائه في الجامعة الوطنية الاسترالية، وكان له صداه الواسع عالمياً وخاصة للبلدان الجادة بمحاولتها لفهم ما يعني بحق كيف يكون العمل بأفضل حال بعيداً عن المفاهيم الاقتصادية الضيقة.

الحكمة التي من الممكن الحصول عليها من الخروج لعمل سيء. بكل تأكيد ستكون سيئة، فكما سيكون المردود المادي رديء فكذلك ستمتد السلبية لإحترام النفس والكرامة وبالتأكيد له أثره السلبي على الاندماج الاجتماعي والعلاقات والصحة ليست بعيدة عن هذا التأثير. لذا فكل الأمور الاخرى ستكون متساوية لموقف السياسات التي تعزز إعادة الناس إلى العمل وفق ظروف عقلانية وتستند إلى أدلة منطقية.

ولكن وبناء على هذا الموقف وخصوصاً خلال فترة إرتفاع معدلات البطالة، فمن الحكمة أن نعتبر أي وظيفة مهما كانت وظيفة جيدة. وهذه هي بالضبط البديهية التي تنتهجها سياسة المملكة المتحدة حالياً تجاه العمل الإجباري أو ما يسمى ببرامج التشغيل الحكومية المؤقتة، أو حتى من الممكن التفكير بالعمل مقابل الفوائد والذي يفضله الكثير من الساسة.

الأسوء من البطالة

العمل في ظروف سيئة ربما يدعو إلى الملل والروتين أو نوع من العمالة الناقصة أو مباراة سيئة لمهارات الموظف التي إنتشرت على نطاق واسع بين العاملين باعتبارها وسيلة جيدة للعاطلين عن العمل ليبقوا على اتصال بسوق العمل والحفاظ على عادة العمل. لكن بيانات بترورث تتعارض مع هذا وتشير بيانات (هيلدا) بصورة لا لبس فيها إلى أن التأثير النفسي السيء للأعمال الرديئة هو أسوء من البقاء ضمن دكة العاطلين عن العمل.

وحين إنتقل بترورث من البطالة الى موضوع العمل وجد أن:

 أولئك الذين إنتقلوا الى وظائف أفضل أظهروا تحسناً ملحوظاً في مجال صحتهم النفسية مقارنة مع أولئك الذين  عملوا في وظائف ذات نوعية رديئة وأظهرت التدهور الخطير في صحتهم العقلية مقارنة مع الذين بقوا عاطلين بلا عمل.

لذا الآن لدينا إجابة مختلفة قليلاً حول إذا ما كانوا أفضل حالاً في العمل؟ الأجابة ستكون بنعم طالما أنهم في وظائف جيدة، لأن في حال إنخراطهم في أعمال رديئة فهنالك فرصة قوية لأن يكونوا بأسوأ حال وخاصة في مجال الصحة النفسية والعقلية.

مرة أخرى، بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنه ينبغي أن تكون هنالك نغمات عقابية لسياسات الحصول على فرص عمل لمن هم بلاه ويبزغ السؤال: “هل أن أي وظيفة تعتبر وظيفة جيدة؟” أو على الأقل بطريقة تفكير العاطلين. علاوة على ذلك لابد لنا أن نتساءل ما إذا كان العاملين وبالخصوص الذين رجعوا لمجال الوظيفة من فترة قريبة_ ولو جزئياً_ يتملكهم ذلك الضرر النفسي السيء بسبب طبيعة العمل نفسه.

 ولكن ومع كل ما تقدم يجب أن نضع في الحسبان أن لا ندخر جهداً ولا نكف عن العثور على الأعمال لمساعدة الناس. ولكن يجب أن نفكر أكثر بكثير حول نوعية الوظائف التي يمكن أن تؤثر على صحتنا ونتاجنا. ويجب أن نتذكر أنه وحتى وفي حالة الركود أن فكرة ” أي وظيفة ” قد لا تكون وظيفة على الإطلاق.

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

القضاء على الفقر المدقع في شرق اسيا ومنطقة المحيط الهادي 

ترجمة: سهاد حسن عبد الجليل تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: أسماء عبد محمد   في …

عملية هدم الحضارة

ادريان ولدرج يرثي انهيار منظومة العادات والاعراف    بقلم : ادريان ولدرج ترجمة: سهاد حسن …