كتبه (لذي كونفرسيشن): إيميلي فلاشمان
منشور بتاريخ: 19/4/2018
ترجمة: أحمد عمران
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
القناني البلاستيكية التي نلقي بها سوف تبقى حولنا لمئات السنين، ولذلك يعد التلوث البلاستيكي المتزايد، ذو التأثير المميت على الحياة البحرية، خطراً حقيقياً.
لكن العلماء اكتشفوا حديثاً سلالة من البكتيريا التي تستطيع التهام البلاستك المستخدم في صناعة القناني ويعملون الآن على تطويرها للعمل بصورة أسرع؛ التأثيرات خجولة – إذ لا يمكن اعتبارها حلاً نهائياً للتلوث البلاستيكي – لكنها ترينا كيف يمكن للبكتيريا أن تساعدنا على خلق إعادة تدوير صديق للبيئة.
البلاستك عبارة عن بوليمرات معقدة، مما يعني إنها سلاسل متكررة وطويلة من الجزيئات، والتي لا تذوب في الماء، وقوة هذه السلاسل تجعل البلاستك يدوم لفترات طويلة، مما يعني أخذه لوقت طويل جداً ليتحلل طبيعياً، فإذا كان بالإمكان تقسيمها أو تجزئتها إلى وحدات كيميائية أصغر وقابلة للذوبان، عندها نستطيع حصد وإعادة تدوير البنية الأساسية لتكوين نوع جديد من البلاستك داخل نظام حلقة مغلقة.
في عام 2016 مجموعة من العلماء اليابانيين اختبروا عدة أنواع من البكتيريا من معمل تدوير القناني، ووجدوا إن البكتيريا من نوع (إيديونيللا ساكاينسيس 201-f6)، باستطاعتها هضم البلاستك المستخدم في صنع قناني الشرب ذات الاستخدام الواحد، والمسمى (بولي إيثيلين تريفثاليت PET)؛ تعمل البكتيريا عن طريق إفراز إنزيم (نوع من البروتينات المسرّعة للتفاعلات الكيميائية) والذي يعرف بـ PETase، وهذا يفصل أواصر كيميائية معينة (الإسترات) الموجودة في (البولي إيثيلين تيروفثالين) تاركاً الجزيئات الأصغر، والتي تمتصها البكتيريا وتستخدم الكاربون الموجود فيها مصدراً للغذاء.
على الرغم من وجود إنزيمات بكتيرية معروفة سابقاً لهضم (البولي إيثيلين تيروفثالين) ببطء، فإنه يبدو أن الإنزيم الجديد طُوِرَ خصيصاً لهذه المهمة، وهذا يوحي أنه ربما يكون أسرع وأكثر كفاءة، ويَفرِض استخدامه في عمليات إعادة التدوير البيولوجية.
ونتيجة لذلك، حاولت العديد من الفرق معرفة كيفية عمل الـ (PETase) بالضبط، عن طريق دراسة تركيبه؛ وفي الأشهر الاثني عشر الماضية، قامت مجموعات من كوريا والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والبرازيل بنشر أوراق بحثية تظهر تركيب هذا الإنزيم بدقة عالية وتحليل آلية عمله.
هذه البحوث تظهر أن جزءاً من بروتين (PETase) الذي يقوم بعملية الهضم الكيميائي، مهيأ لربط سطح (البولي إيثيلين تيروفثالين)، وليعمل عند درجة حرارة ٣٠ مئوية، مما يجعله مناسباً لإعادة التدوير داخل المفاعلات البيولوجية؛ وفريقان منهم وجدوا أيضاً أنه عن طريق تغيير الخصائص الكيميائية للإنزيم بشكل طفيف، فإنه يتفاعل بشكل مختلف مع (البولي إيثيلين تيروفثالين) مما يجعله يعمل بصورة أسرع من الـ(PETase) الطبيعي.
إن استخدام الإنزيمات المأخوذة من البكتيريا بالمفاعلات البيولوجية لتحليل البلاستك وإعادة تدويره، لايزال أسهل نظرياً من تطبيقه على أرض الواقع؛ الخصائص الفيزيائية للبلاستك تجعل من الصعب بالإمكان للإنزيمات للتعامل معه.
(البولي إيثيلين تيروفثالين) المستخدم في قناني الشرب ذو تركيب نصف بلوري، وذلك يعني أن جزيئات البلاستك متراصة بشدة مما يجعل تفاعل الإنزيم معها صعباً جداً. الدراسة الأخيرة أظهرت أن الإنزيم المطوَّر يعمل بصورة جيدة، لأن الجزء المشترك في التفاعل من الجزيئة من سهل التعامل معه، مما يسهل العملية للإنزيم لمهاجمة جزيئات (البولي إيثيلين تيروفثالين) وحتى المدفونة منها.
التحسين المتواضع:
تحسين نشاط الـ (PETase) لم تكن جذرية، ونحن الآن بصدد إيجاد حل لأزمتنا مع البلاستك، وهذا البحث يساعدنا على فهم آلية عمل هذا الإنزيم الواعد لتحليل (البولي إيثيلين تيروفثالين) ويساعدنا على فهم كيفية تسريع عمله بواسطة التلاعب بالجزء الفعال فيه.
ومن غير الاعتيادي أن نملك القدرة لهندسة الإنزيم لجعله يعمل بكيفية أفضل مما طورته الطبيعة؛ ومن المحتمل أن هذا الإنجاز يعكس لنا حقيقة إن البكتيريا التي تستخدم (PETase) قد تطورت حديثاً للعيش والبقاء على البلاستك الذي يصنعه الإنسان، وهذا يعطي العلماء فرصة مثيرة لتجاوز التطور عن طريق هندسة نوع أمثل من الـ (PETase).
هنالك أمر مقلق واحد وهو إن أية بكتيريا معدلة تُستخدم في المفاعلات البيولوجية، تحتمل أن تكون تحت السيطرة بصورة كبيرة، وحقيقة إنها تطورت لتحطيم والتهام البلاستك في المقام الأول، يفرض إن هذه المادة التي نعتمد عليها بصورة كبيرة ربما لا تدوم لفترات طويلة كما اعتقدنا.
فإذا بدأت أعداد كبيرة من البكتيريا بأكل البلاستك في الطبيعة، فإن الصناعات والبنية التي صممت لتبقى وتدوم لعدة سنوات سوف تصبح تحت التهديد؛ صناعة البلاستك ستواجه تحدياً جدياً وكبيراً لمنع الكائنات الميكروية الجائعة والنهمة من مهاجمة وإفساد منتجاتها.
الدروس المستخلصة من المضادات الحيوية تعلمنا بأننا أبطأ من خداع البكتيريا، لكن ربما دراسات كهذه سوف تعطينا بداية قوية.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا