كتبه لموقع (بيغ ثينك): سكوتي هيندريكس
بتاريخ 24 شباط 2018
ترجمة: رشا الخطيب
تدقيق: أحمد نُعيم
تصميم: حسام زيدان
يُخطئ الفلاسفة أحيانًا، والفيلسوف الحقيقي هو من يعترف بخطئه. وفي حين يدخل معظم الفلاسفة تعديلاتٍ بسيطة على حججهم لتصحيح الأخطاء التي وقعوا فيها، يُغير البعض الآخر طريقة تفكيره تغييرًا كبيرًا.
إليك الفلاسفة الأربعة الذي تراجعوا عما قالوه بشكل جذري.
فيلسوفٌ أمريكي كتب في كل مجال طالته يداه، معروفٌ بمغامرته الفريدة في الفلسفة السياسية من خلال كتابه “الفوضى والدولة واليوتوبيا”. ويبحث في كتابه فكرة الدولة الإصلاحية التي لا تنتهك الحريات الشخصية، حتى أنه يماثل بين ضريبة الدخل والعبودية، فالعامل يتقاضى راتبًا يذهب جزءًا منه إلى الدولة دون إمكانية للرفض، فهذه تُدعى عبودية جزئيًا. ولا تفرض ضرائب في دولته المثالية.
وفي كتاب آخر تحت عنوان “الحياة المُجرّبة”، يتناول نوزيك موضوعات حول الجنس والموت والسياسة. ويوضح في كتابه الأول بقوله إن الوضع الليبرالي الذي كنت أميل نحوه يبدو لي الآن غير كافٍ بشكل غامض، من ناحية لأنه لم يربط بين الاعتبارات البشرية والأنشطة التعاونية المشتركة، لكنه ترك هوة كبيرة في نسيجه.
وتعديله لموقفه السابق غير صريح لكنه ملحوظ. فهو لم يغير موقفه تمامًا ولكن اعترف بوجود مشاكل به. فقد أيدّ فكرة منع الدولة التمييز ضد الجماعات المختلفة، واعترف بأن تحقيق الحرية الشخصية قد يتطلب مؤازرة الجهود الجماعية، وأذعن لفكرة استخدام الضرائب أو التبرع الإلزامي لجمعيات خيرية محددة كوسيلة لضمان استمرار المجتمع في أداء المهام المنوطة به.
وأكد في لقاءات تالية للقراء أنه لم يتخلَ عن الإيمان بحرية الإرادة، وإنما خفّف من حدة بعض الآراء المتشددة بعدما كبر في السن.
فيلسوف نمساوي في القرن العشرين، لم ينشر سوى كتاب وحيد في حياته هو تراكتاتوس «رسالة منطقية فلسفية»، ولا شك أن التحول الجذري في إعداد هذه القائمة يعزى إليه.
ويبحث في كتابه ” تراكتاتوس” أننا عندما نتواصل مع أشخاص آخرين، فإننا نستخدم كلمات لرسم “صورة” في عقولهم. عندما أكتب جملة مثل “كوب الليمون به مكعبان من الثلج”، فأنت تتخيل ما أعنيه بوضوح هذا إن استخدمت الكلمات الصحيحة. ويؤيد الكتاب أيضًا الفلسفة الوضعية، ويحل عدة مسائل بها، الأمر الذي كان مصدر رضا فلاسفة ”حلقة ڤيينا أو جماعة ڤيينا“.
كان فيتغنشتاين فخورًا بكتابه، وكان مقتنعًا أنه قد حل مسائل الفلسفة عن طريق تحويل جميع المسائل إلى “دلالات الالفاظ”. اعتزل الكتابة لعدة سنوات فلم يعد هناك مسائل فلسفية بحاجة لحلها، لكنه عدل عن رأيه فيما بعد.
نُشر كتاب آخر بعد وفاته يحمل عنوان «مباحث فلسفية»، وقد عبر الكتاب عن أفكار انتابته في الجزء الأخير من حياته. ويتعارض هذا الكتاب مع عمله السابق بشكل مباشر؛ فقد كتب في كتاب «مباحث فلسفية»: مؤلف كتاب تراكتاتوس كان مخطئًا؛ حيث إنه ابتعد كل البعد عن مواقفه الأصلية.
ويناقش فيتغنشتاين في كتاب «مباحث فلسفية» أن اللغة هي مجموعة من الألعاب. عندما نتحدث لشخصٍ ما، فإننا نستخدم كلمات معينة لتوصيل معنى محدد. والسبيل الوحيد لفهمنا هو فهم القواعد التي نتبعها الآن، وكيفية استخدام الكلمات فيما يتعلق بتلك القواعد.
على سبيل المثال، عندما أكتب “أنه حقًا ثرثار”، فقد أكون أتحدث بسخرية أو أعني ذلك حقًا أو أنني أكذب أو أبالغ قليلًا. يجب عليك أن تعرف أي “لعبة” نلعبها كي تعي ما نقصده. وذلك بعيد كل البعد عن نظرية الصورة الخاصة بكتاب تراكتاتوس، وقد أدى نقضه لكتابه السابق إلى إضعاف الثقة بجوانب من الفلسفة الوضعية.
جون بول سارتر
علم من أعلام الفكر الوجودي في القرن العشرين. كتب العديد من الكتب والمقالات والمسرحيات التي تصف طريقة تفكيره وكيف نتعلم منها.
في أعماله الأولى، قدم لنا سارتر فكرة الحرية المطلقة. وبينما اعترف بأننا مقيدون ببعض الظروف الجسدية والاجتماعية، ويؤكد أن الفرد حرٌ بالكامل ولهذا السبب هو مسؤول عن أفعالهِ الحرة. والحرية المطلقة هذه تعني أن الشخص مسؤول عن اختياراته ويعرف كذلك أن هناك بعض القيود مفروضة في اختياراته.
وبينما يعترف سارتر دائمًا بوجود القيود الاجتماعية والاقتصادية والجسدية لحرياتنا، فإن القيود التي يعترف بها تزداد، وتصبح أكثر تقييدًا بمرور الوقت. ويرجع هذا جزئيًا لتأثير شريكة حياته (سيمون دي بوفوار)، ولغياب ارتباطه المتزايد بالفرنسيين.
وتعد تغييراته تطورًا لإدراكه للجانب العملي من عمله أكثر منه تحول جذري لطريقه تفكيره. ومع ذلك، وبينما تزايد تفهمه للقيود الاقتصادية والاجتماعية على حرياتنا، بدأ التوقف عن تعريف نفسه بالفيلسوف الوجودي الحقيقي، وأقر صراحةً أنه كان “فوضويًا”. وإن هذا لاعتراف خطير بالنسبة لشخص لمّ شمل الوجودية.
قس كاثوليكي فرنسي في القرن السابع عشر. عُرف عنه أنه هادئ وجدير بالثقة وخامل الذكر؛ فقد خدم أبرشيته لما يزيد عن 40 عامًا دون شكوى. وبعد وفاته، تم العثور في غرفته على كتاب يتألف من أكثر من 600 صفحة مُروجًا للإلحاد، وتم نشره بعنوان “الوصية”.
تميز القس ميليه بأنه أول فيلسوف ملحد يكتب مدافعًا عن موقفه. وصف في كتابه جميع الأديان بأنها “قلعة في الهواء”، وبأن الإلهيات ليست سوى اختصار للجهل بالأسباب الطبيعية في نظام ما. وجد أن مسألة الشر لا حل لها، وأنكر وجود الإرادة الحرة والروح، وكذلك أقر أن النبلاء والكهنة يستحقون الذبح باسم الحقيقة والعدالة.
ويدلل على أيَضًا فكرة أن المسيحية في ذلك الوقت كانت مجرد أداة لضمان خضوع الطبقات الدنيا للظلم الذي من المفترض أن يثوروا ضده. ودافع عن الشيوعية البدائية وعدّها حلاً للظلم الاجتماعي.
ويظل السؤال عما يمثله هذا التحول بلا إجابة، فقد اعترف في الكتاب أنه التحق بمعهد تعليم اللاهوت إرضاءً لوالديه، ضاربًا عرض الحائط بالأربعين عامًا التي قضاها في التبشير للمسيحية. في هذا القائمة، لم يستنكر شخص أربعين عامًا من العمل في كتاب واحد، ثم يرفضه بعنفٍ يبرز في الكتاب رغم أسلوبه المعقد في الكتابة.
المقال باللغة الانكليزية: هنا