ترجمة: محمد علي العوادي
تصميم الصورة: احمد الوائلي
على الرّغمِ من ضآلةِ حَجْمِ البكتيريا وحيدة الخلية إلا أنّ لها تأثيراً قويّاً. حيث أثبَتَ بحثٌ أُجريَ مؤخّراً أنّ للبكتيريا علاقةٌ بأعراض القلق والاكتئاب والتوحُّد. شرعَ العلماء يبحثون فيما إذا كانت البكتيريا تُسبّبُ اضطراباً في صحّتنا العقلية. وقد تؤثّرُ على سلوكنا لتجعلنا نتصرّفُ بإيثار.
البكتيريا الضارة والبكتيريا النافعة:
وبالنسبة لنظرية التطور، فإنَّ صفةَ الإيثارِ قد شكَّلَتْ لُغزاً. إذ إنْ كانَ الهدفُ الرئيس للكــــائنات الحيّة هو القيامُ بكُلِّ ما يُبقيهم أحياء وقادرين على التكاثُر، فكيف نُعلِّلُ بقاء صــفة نُكرانِ الذات (القيام بشيء من دون توقُّع جائزة) للآن؟ إن هذا الأمر قد حيّر داروِن أيضاً. “إنهُ من المُثير للرَّيبةِ أن يتكاثرَ ذراري آباءٍ يتّسمون بالتعاطف ومجبولين على حُبّ الخير… بأعدادٍ أكبر من أولئك الذين يتّصفون بالأنانية والغدر من نفس القبيلة”. “حريٌّ بمن كان مُستعدّاً للتضحيةِ بحياته… ألَّا يُنجِبَ نسلاً يرثونَ خصالهُ الحميدة” كتبهُما دارون في كتابهِ (نشأة الانسان).
طرحَ العُلماءُ عدداً من النظريّات لمعـرفة لماذا تُصِرُّ الحيوانات على أن تكونَ بمُنتهى السّخاء. لكنَّ جواب هذا التساؤلِ لا يزالُ موضِعَ حيرةٍ. وقد تساءل باحثا جامعة تل أبيب (ليلاك هَدَني) و(أوهاد لوين أبستين) عن وجود عوامل أُخرى مُؤثّرة. وقد وَجَدَا أنَّ الميكروبات والطّفيليات الأخرى قد تُغيّرُ سلُوكَ مُضَيّفيها للأسوأ. فداءُ الكلبِ مثلاً يُحفّزُ الحيوانات على العضّ والسُّلوكِ العُــدوانيّ، وبِذلِكَ تنتشِرُ العَدوى. كما تُوجِّهُ دودةٌ تُدعى (متفرّعة المعى الغصنيّة أو ثاقبةُ الكبد) النّملَ للصُّعُودِ لأماكنَ عاليةٍ فتأكُلَها حيواناتٍ أُخرى، لتصبَحَ هذه الحيوانات مقرّاً دائماً للدودة. ألا تُغيّرُ بعضُ الميكروبات سُلوك مُضيّفيها للأفضل؟ متى؟ لماذا؟
الإشريكية القولونيّة واحدةٌ من العديد من الميكروبات التي تعيشُ في أمعاء الانسان.
تعاونَ باحِثو جامعة تل أبيب مع عالِمة الحاسوب (رَنِت أهارُنوف) من شركة آي بي أم لتكوين نموذجٍ رياضيّ وتجربةٍ حاسوبيّةٍ لدراسة تأثيرات ميكروبات الإيثارِ على مُضيّفيها. وقد أثبتَتِ التجربةُ وجُود نوعين من الميكروبات في قطّاع سكّاني واحد: ميكروبات تُثِيرُ صفةَ الإيثار، وأُخرى لا تُثير. وفي كُلّ جيلٍ، يتواصلُ الأفرادُ بطُرُقٍ فعّالةٍ لنـشرِ كلا الميكروبين من فردٍ لآخرٍ. كما بيّنتِ التّجربةُ أيضاً انتقالَ الميكروبات تلقائياً لذُريّة المُضيّف.
وبالنتيجة، وعلى مدى مئات الأجيال، أعلنتِ الميكروباتُ المحفّزةُ للإيثارِ فوزَها بالمنافسة، حتى عندما ابتدأ الباحثون بتجربة القليل منها. إنّ هذا يبدو معقولاً، لأنّ الأفراد الذين يرِثُونَ الميكروبات المحفّزة للإيثارِ قد ينتفعون من هذه الصّفةِ ليتمتّعوا بخصوبةٍ أعلى. ولهذا فإن صفة الإيثارِ تجعَلُ المضيّفينَ الجُدُدَ أوفرَ حظاً لإنجابِ نسلٍ أكبر يرثُ نفسَ الميكروب.
من المذهِلِ أن تُحفِّزَ كائناتٌ مجهريّةٌ سلوكاً بمثلِ تعقيدِ الإيثارِ، لكنّه لا يكون خارجَ نطاقِ الإمكان. فقد أظهَرَ بحثٌ أنّ ميكروبات الأمعاء قد تُسهِمُ في إنتاجِ السيروتونين (ناقلٌ عصبيٌّ مُضادٌّ للاكتئاب). وعلى الرغم من أن الميكروبات التي في جِسمِكَ قد تُسبِّبُ القلق والاكتئاب، فقد أثبَتَتْ دراساتٌ أن بعض البكتيريا في اللبن تُقلّلُ من تلك الأعراضِ في الفئران.
لذا فإن سُلُوكَ (أبنيزر سكورج[1]) غير المُعتادِ في صباح عيد الميلاد، قد يفسِّرُهُ قُدُومَ الأشباحِ الثلاثة، أو على الأرجح، نشاطَ البكتيريا التي في أمعائهِ.
المصدر: هنا