الرئيسية / علوم / أدم رذرفورد: لماذا الحقيقة العلمية قد تؤذي؟

أدم رذرفورد: لماذا الحقيقة العلمية قد تؤذي؟

الغارديان 5-4-2015 ــ الحقائق المتأتية من العالم – من دوران الأرض حول الشمس إلى نظرية التطور لداروين – نادراً ما تكون واضحة أو متوقعة.

ليس كل شيء كما يبدو. اتساع الكون -من الشيء الصغير الذي لا يمكن تصوره إلى أكبر شيء – ليس كما يبدو لنا، فرؤيتنا محدودة للأسف. حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس لم يم قبولها إلا بوقت متأخر، كما إننا مازلنا حتى الآن نجهل طبيعة كوننا ومما يتشكل معضمه؟ لم نعرف إلا قبل أقل من قرنين إن الأجسام تتشكل من خلايا، كما إن معرفة أن الحياة مُرمزة على شكل “دنا” لم يمضي عليه أكثر من 50 عام. عندما جاء داروين بنظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، صرح حليفه الوفي توماس هنري هكسلي “كم أنا غبي، لماذا لم أفكر في ذلك!”.

ولكن التطور غير واضح على الإطلاق، وقد أخذ الكثير من التفكير والتجريب و والتطعيم العنيد والصعب لكشف الحقيقة. الهيكل الحقيقي للكون -الذرة ودون الذرة والكم- ليس من الممكن رؤيته بالعين. نحن البشر فظيعين في إدراك الواقع الموضوعي. نأتي بتصورات مسبقة متأصلة ومتحيزين. منطقنا أعوج، ونرى الأنماط الأشياء على غير حقيقتها، ونغّفل الاتجاهات التي بها نعزو السبب والقوة للحظ والصدفة، وإلقاء اللوم على الأبرياء كجذر لكل أنواع الشرور. ونستخدم إستعارة “الحس السليم” بإعتبارها نوعية مثيرة للإعجاب للتدقيق في العالم أمامنا.

إذاً كان كل هذا يبدو بُغضاً للبشر، على العكس تماماً، التطور بلا اتجاه إعطانا النباهة والأدوات اللازمة لكي نقف قليلاً، ونتسأل ما إذا ما كانت هذه هي الكيفية التي تسير بها الامور. (العلم معاكس تماماً للحس السليم).

الحس السليم يخدعنا مراراً وتكراراً: الأفق يقولَ لي أن الأرض مسطحة؛ الناس يبدون أنهم يتحسنون بعد تناول “أدوية” المثلية؛ العناكب خطيرة؛ موجات البرد يُسببها الاحتباس الحراري. بطبيعة الحال، فإنه من الصعب التشكيك بنجاح رآي شخص إذا كان قائماً على تجاربه الخاصة. ولكن هذا بالضبط هو العلم. فصل عيوب الإنسان عن الواقع. هو أن لا ندع جانب التحيز يتحكم فينا. حواسنا وسيكولوجيتنا لإدراك العالم بطرق خاصة جداً هزلية وسهلة الخداع. ولكن قوة العلم الكبيرة فهو يقر بـ “لاعصمة البشر” التي تشل نظرتنا للكون. ويحاول المنهج العلمي إزالة نقاط الضعف هذه.

لهذا ينبغي غرسها في نفوسنا في أبكر وقت ممكن،. في المدرسة. يجب أن تُدرّس الحقائق، وتواريخ تلك الاكتشافات أيضاً. يجب علينا أن نورث الأجيال القادمة الأدوات للتشكيك في تصورنا المحدود -العلم كوسيلة للمعرفة. كثيراً ما يقال -في كثير من الأحيان اشخاص مثلي- يقولون أن الأطفال يولدون علماء، أن فضولهم كامن في كينونتهم، ويتآكل هذا الفضول بتقدم العمر. إنها مشاعر ممتعة، وذلك لإن الأطفال لم تشوبهم شائبة من اعباء الحياة.

ولكن الأطفال ليسوا علماء. للأبد، أي شيء ذي قيمة يأتي بالمجهود، وليس بالهبة. العلم هو وسيلة معينة من التفكير، لا تشجع التحيز بل تدفع للشك، ليس مكتسباً بل يأتي بالتعليم. في مكان ما في العالم هناك فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات التي ستغير العالم، وتفوز بجائزة نوبل على ذلك. ستجعل الناس أكثر صحة، أو رؤية نجوم جديدة، أو فقط لكشف العجب!. لكن كل ذلك بسبب والديها والمعلمين الذين علموها أن لا تكون راضية عن كيفية ظهور الأشياء، وإعطائها أدوات التفكير النقدي لكي تجبر الكون للكشف عن طبيعته الحقيقية.

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو مقال أخر كتبته قبل أسابيع حول عدم دعم العلم للعنصرية العرقية. وهذا ما أثار غضب الكثيرين. الكثير من معلقي كان يعبر عن الرأي القائل بأن “من الواضح إن العِرق موجود لأن الناس يبدون مختلفين، وهذه الاختلافات المنتشرة على نطاق واسع في الأوصاف التقليدية للعِرق – السود والبيض والآسيويين”.

علم الوراثة الحديث  عثر على كنز من المعلومات حول البشر التي كانت قبل محجوبة أو مبهمة، واحدة منها هي أن عدد من مجموعات الأثار الوراثية ترتبط بشكل واسع مع الكثرة من الأراضي، وخاصة تلك التي ترتبط بالمحيطات. ولكن هذه ليست مشاركات حصرية ولا ضرورية مع الطريقة التي نستخدم  بها مصطلح “العرق”.

في الشهر الماضي، في مجلة “الطبيعة”، علم الوراثة أثير تساؤل حول دحض تاريخ الشعب البريطاني. فُهرست الدراسة تحت قسم الهجرات الكبرى من البر الاوربي حتى القرن العاشر، كما يتضح من الظلال الخفية للدخلاء المخبأة في عمق الحمض النووي لدينا.  الكاتب سايمون جنكينز من الغاردين، قال عن النتائج: “ببساطة غير قابلة للتصديق” لأن الدراسة كانت “قوية في الخوارزميات ولكن ضعيفة في علم الآثار”. حسناً، يتم استخدام الأدلة الأثارية البايلوجية للتعرف على الماضي، وليس هناك أفضلية لأحدهما على الأخر. الخوارزميات التي يستخدمها علماء الوراثة ليست للمتعة، أو للتشويش، بل هي طريقة التي نكشف بها عن الأنماط غير المرئية. في الواقع، يتم استخدام التقنيات العلمية بشكل روتيني على الحقيقة المادية الجميلة لكشف ما هو خفي. ما أستطيع قوله بثقةٌ تامة أنه ونحن نواصل استكشاف وتوصيف حالة الإنسان سوف نجد المزيد من الأشياء التي قد نشعر أنها غير صحيحة أو غير قابلة للتصديق أو غير مريحة. ربما الآن هو الوقت المناسب للحاق بركبْ عدم اليقين، وعدم الراحة.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

ألبير كامو: عن المضادات الثلاثة لعبث الحياة

كتبه لموقع brainpickings: ماريا بوبوفا منشور بتاريخ: 24/ 7/ 2017 ترجمة: مازن سفّان تدقيق: عقيل …

المعنى الحقيقي للحياة

كتبه لموقع “آي إي بي”: الدكتور ستيفن ليش والبروفيسور جيمس تارتاليا ترجمة: ياسين إدوحموش تدقيق: …