الرئيسية / فكر وفلسفة / الإعتراض على فلسفة بوبر

الإعتراض على فلسفة بوبر

بقلم: شين كارول؛عالم الفيزياء النظرية في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا

 

هل نحن بحاجة إلى التغاضي عن مبدأ قابيلية التخطئة -قابلية التكذيب- لكارل بوبر ضمن مناهج المعرفة؟

في عالمنا حيث تبدو النظريات العلمية غريبة وضد البديهيات، بالإضافة إلى ذلك توجد مجموعة واسعة من «الهراء والكلام الفارغ» يطمح للوصول إلى أن يكون معترف به علميا، لذلك يجب أن نكون قادرين على الفصل علميا بين ماهو علم وماهو ليس بعلم، أو ما يطلق عليه الفلاسفة “ترسيم حدود المشكلة”. حيث اقترح كارل بوبر معياره الشهير «قابلية التخطئة» فالنظرية علمية متى ما تجاوزت توقعات بتزويرها بشكل لا لبس فيه.

إنها فكرة ذات نية حسنة، وكان بوبر معنياً من خلالها بنظريات التحليل الفرويدي والإقتصاد الماركسي، حيث اعتبرها بوبر ليست علمية.

 

فبوبر يرى إن نظريات مثل تلك تغض النظر عما يحدث في الواقع أو المجتمع والنظريات تلك -الفرويدية والماركسية- تكون البيانات فيها متوافقة مع الإطار النظري دائما. لقد قارن بوبر بين تلك النظريات وبين نسبية آينشتاين، التي حملت تنبؤات كمية محددة في وقت مبكر. «واحدة من تنبؤات النسبية العامة بأن الكون يتوسع أو ينكمش، مما أدى لاينشتاين لتعديل نظريته لانه يعتقد إن الكون ثابت، لذلك حتى في هذا المثال فإن معيار قابلية الخطأ لا لبس فيه كما يبدو».

 

الفيزياء الحديثة تمتد إلى عوالم بعيدة كل البعد عن التجربة اليومية، وأحيانا فان التجربة تصبح هشة في أحسن الأحوال. نظرية الأوتار والثقالة الكمومية تشمل الظواهر التي من المحتمل أن تُعبّر عن نفسها في طاقات أعلى بشكل كبير جدا ولايوجد لدينا أي شيء على الأرض هنا يصل لتلك الطاقات العالية. نظرية الأكوان المتعددة وتفسير العوالم المتعددة لميكانيكا الكم تفترض وجود عوالم أخرى من المستحيل الوصول اليها مباشرة من قبلنا. بعض العلماء، متكئا على نظرية بوبر ، يرى إن هذه النظريات ليست علمية لانها ليست «قابلة للخطأ».

والحقيقة عكس ذلك، فسواء كنا نلاحظ ذلك مباشرة أم لا ، فالكيانات التي تتضمنها تلك النظريات اما إنها حقيقية أو إنها ليست كذلك. رفض التفكير في إن وجودها ممكنا أو لا، يقوم على «المبادئ المُسبقة» وليس رفضاً علمياً، رغم انها قد تلعب دورا حاسما في الكيفية التي يعمل بها العالم، غير إن هناك من يعتبرها غير علمية كما يحصل الآن!.

معيار قابلية التخطئة له منجزات تجاه ايجاد الشيء الصحيح في العلم، لكنه أداة حادة أكثر من اللازم في المواضع التي تتطلب البراعة والدقة. ولذا من الأفضل التأكيد على عنصرين آخرين يعتبران من السمات الرئيسية للنظريات العلمية الجيدة وهما: التعريف والتحديد الواضح، والثانية أن تكون تجريبية . فالتعريف والتحديد نحن نقول ببساطة إن هذا شيء واضح لا لبس فيه بشأن كيفية عمل وظائف معينة في الواقع. نظرية الأوتار تقول إنه في مناطق معينة من الفضاء هناك معالم معينة. والجسيمات العادية تتصرف كما لو أنها حلقات أو خيوط أُحادية البعد. قد تكون تلك المعالم الفضائية ذات الصلة، أشياء لا يمكن الوصول اليها بالنسبة لنا، لكنه جزء من النظرية التي لا يمكن تجنبها. في فرضية الأكوان المتعددة هناك مناطق بخلاف منطقتنا، حتى لو لم نتمكن من الوصول اليها. وهذا ما يميز تلك النظريات بخلاف نهج بوبر الذي يحاول أن يصنفها على إنها ليست علمية.

إن معيار «التجريبية» هي التي تتطلب بعض الحذر بخصوصها. ففي ظاهرها قد تكون مخطئة «وفقا لقابيلة التخطئة» ولكن في العالم الحقيقي لا ينبغي التعامل بهذا الحد القاطع بين النظرية والتجربة.

يتم الحكم على نظرية ما في نهاية المطاف من خلال قدرتها على تفسير البيانات، ولكن الطريق الطويل للحسابات يمكن أن تكون غير مباشرة تماماً.

لا يمكننا -بقدر ما نعلم- مراقبة أجزاء أُخرى من الأكوان المتعددة مباشرة. لكن وجود تلك الأكوان له تاثير كبير على الكيفية التي تُمثل فيها البيانات في جزء من تلك الأكوان المتعددة كما نلاحظ. إن نجاح أو فشل هذه الفكرة هو تجريبي في نهاية المطاف: بمعنى ان ليست اناقة الفكرة أو انها تُلبي بعض مناطق الغموض في التفكير، بل إنها تساعدنا على تفسير البيانات. حتى وان كنا لن نصل لتلك الأكوان الأُخرى أبداً.

العلم لا يُعايش المُنظرين فقط، لكنه يشرح العالم الذي نراه، وتطوير النماذج التي تناسب البيانات. ولكن التناسب بين النماذج والبيانات هي عملية معقدة ومتعددة الأوجه، حيث تنطوي على الأخذ والعطاء بين النظرية والتجربة، بالإضافة إلى  التطور التدريجي للفهم النظري للنظرية بذاتها.

في حالات معقدة، فان الثروة الكبيرة لحجم البيانات -التي يجب شمولها بقابلية التخطئة- ليست بديلا عن التفكير المتأني حول الكيفية التي يعمل بها العلم. لحسن الحظ فان مسيرة العلم تنطلق غافلة إلى حد كبير عن هواة التفلسف. إذا كانت نظرية الأوتار أو نظرية الأكوان المتعددة تساعدنا على فهم العالم، فهي سوف تنمو في المقبولية. أما إذا أثبتت في النهاية إنها غامضة جدا أو تاتي نظريات أفضل منها، سوف يتم التخلص منها، قد تكون العملية فوضوية لكن لندع الطبيعة دليلنا النهائي.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الإرادة الحرة.. حقيقة أم أسطورة ليبرالية؟

ترجمة: آمنة الصوفي تصميم الصورة: أحمد الوائلي في عام 2016 هيمنت على العالم مفاهيم الليبرالية …

جوردان بيترسون وقصة برج بابل

كتبه لموقع “ناشونال كاثوليك ريجيستر”: كريستوفر كاكزور* نشر بتاريخ: 12/9/2018 ترجمة: إبراهيم العيسى تدقيق: أمير …