ترجمة: رعد طالب
كارل ساغان له مواهب متعددة فهو الحكيم الكون والقارئ النهم والرومانسي اليائس والفيلسوف الرائع، لكن قبل كل شيء يُعتبر ساغان اعظم قديس في عصرنا راعٍ للعقل والحس السليم، فهو الشخص البارع في التوازن الحيوي بين الشك والانفتاح. ففي كتابه عالم يسكنه الشياطين: العلوم باعتبارها شمعة في الظلام. يُقدّم لنا كارل ساغان تأملاته في العلم والروحانية. هذا الكتاب الذي نُشر قبل اشهر من وفاته يشاركنا ساغان في قواعده التي يضعها في مواجهة الاكاذيب المُخزية والدعاية المشينة التي تنتشر في المجتمع.
ففي فصل “فن كشف الهراء” يُبيّن ساغان انواع الخداع الذي نتعرّض لها سواء من وسطاء التعصب الديني الى المنتجات المدفوعة الثمن الى بعض العلماء والتي يعتبرها ساغان خيانة واحتقار من العلماء للناس. لذلك يرى ساغان اننا بحاجة الى الادوات المناسبة ضد الزيف وكشفه.
عدة كشف الهراء هي مجموعة من الادوات والتقنيات المعرفية التي تُحصّن العقل لمنع اختراقه من قبل الاكاذيب.
عندما تُعرض فكرة جديدة يجب النظر فيها ومنحها الوقت الكافي للنظر ليتم قبولها او رفضها.
هذه المجموعة من ادوات كشف الهراء ليست مجرد ادوات تخص العلوم انما هي ادوات لا تُقدّر بثمن من التشكك الصحي التي تنطبق على ما نعيشه ونواجهه في حياتنا اليومية. يشاركنا ساغان بتسعة من الادوات هي:
1-عليك ان تتأكد قدر الامكان من مصادر مستقلة عن “الحقائق”
2-عليك ان تُناقش بموضوعية جميع الادلة وان تطلّع على جميع وجهات النظر
3-إعطِ للحجج التي تأتي من السلطات وزناً قليلاً، فالسلطات عملت اخطاء كثيرة في الماضي وستفعل الكثير من الاخطاء في المستقبل. ولعل افضل طريقة ان نقول: العلم لا يحتوي اية سلطات، على الاكثر نسميهم خبراء.
4-إفترض اكثر من فرضية اذا كنت بحاجة لشيء تُفسره. فكّر بالطرق المختلفة التي يمكن بها تفسير فرضياتك، ثم فكّر في الاختبارات المنهجية التي ستعملها لمحاولة دحض افتراضاتك. ما تبقى، هي الفرضية التي ستقاوم هذا الانتقاء العشوائي من بين عدة فرضيات قمت بالعمل عليها. بهذه الطريقة لديك فرصة افضل بكثير للوصول للاجابة الصحيحة مما لو كنت صدقت بالفكرة الاولى التي خطرت ببالك وظننت انها صحيحة.
5-حاول ان لا تتعلق عاطفياً بالفرضية لانك انت من أكتشفتها. انها مجرد محطة في السعي وراء المعرفة.إسأل نفسك لماذا تريد الفكرة؟ قارنها مع البدائل الاخرى. اذا لم تقم بالبحث عن اسباب لرفض فكرتك ومحاولة دحضها فالاخرين سيفعلون.
6-كمياً، لدينا الكثير من الفرضيات المتنافسة، عليك ان تكون قادراً على التمييز فيما بينها كما عليك ان تجد أياً منها تدعمه الحقائق واياً منها تضطر لتجاهله.انها مسألة تُشكّل تحدياً كبيرا.
7-اذا كانت هناك سلسلة من الحجج، كل حلقة من حلقات تلك السلسلة يجب ان تعمل وان نجعل لكل حلقة فرضية خاصة بها.
8-مقص اوكَام، هذه احدى القواعد المريحة فعندما يوجد لدينا اثنين من الفرضيات التي تفسر البيانات بالتساوي نختار الاكثر بساطة منهما.
9-عليك ان تُعيد التساؤل دائماً حول الفرضيات فربما تكون الفرضية مزورة. يجب ان تكون من المتشككين وان تحاول قدر الامكان اعادة التجارب بنفسك للتحقق من الحصول على نفس النتيجة او لا. الفرضيات غير القابلة للنقض حاول تجاهلها الى ان تصبح كذلك.
ان تعلّم هذه الادوات المفيدة له قدر كبير من الاهمية. بالاضافة الى تعليمنا ما يجب القيام به عند الادعاءات المعرفية، يجب ان نُدرك ان النقاط التسع اعلاه هي كشّاف جيد يعلمنا ما نفعل وما لا نفعل، فهو يساعدنا بالكشف عن الفوهات الخطيرة والاكثر شيوعاً للمنطق والبلاغة التي يمكن ان نعثر عليها في الدين والسياسة، لان ممارسي الدين والسياسة غالباً ما يكونوا مضطرين لتبرير اقتراحين متضادين.