اللُغة هي من أقوى وسائل التعبير التي نستخدمُها، العديد من المجالات تُعتبر كـ -أشباه لُغة- كالموسيقى مثلاً وكذلك الرياضيات فالكيمياء اقرب المجالات التي يمكن إعتبارها كَلُغة! وهكذا رأي سَيلفت الإنتباه الى عِدة متشابهات ويدعو إلى التأمل فيما إذا كانت الإختلافات واضحة للعيان.
احياناً هذه المُتشابهات تغمرنا حيث ننتقل من تشبيهٍ إلى إستعارة . فالكيمياء ليست من -أشباه اللُغات- بل هي لُغة متكاملة.
من بين الأسباب التي تجعل من اللائق استخدام التعبير المجازي “الكيمياء كلُغة” هو خضوعها للإملاء (الطريقة النظامية التي تُكتب بها) فالكلام قد يكون عابراُ لكن الكِتابة هي ما يَعِد بجعل اللُغة متماسكة، فاللغات المَحكية تأتي وتذهب كما لم تَكن، وتبرز قابلية ضعيفة على التغيير فالكلمتين Beowulf, Chaucer ليست من الإنكليزية المحكية اليوم. فالكِتابة تُخافظ على اللُغات من الإضمحلال (اللاتينية والسنسكريتية كمثال) وكذلك تُعطيها المناعة ضد أي تشويه.
العديد من اللُغات التي نُصادفها كل يوم أتت بشكلٍ من الكتابة، ولأن -مُعظم اللُغات ولربما كُلها- التي نتواصل بها أنا وأنت لها نظير مكتوب، لذلك يمكن عكس السؤال :”هل كُل ما يمتلك نظاماً كتابياً نعتبرهُ لُغة؟”
كيف تبدو اللُغة ؟
ربما يبدو تافهاً كيف أن هذه المعايير اللغوية تنطبق على الكيمياء، لكن ليس فقط لأن الكيمياء لها رموز موحدة لكل عنصر كيميائي بل لأن المعادلات الكيميائية تظهر بتركيب بنائي يشبه تركيب الجُمل الرياضية، وبأنماط من اللغات الهندو-اوربية (الانكليزية، الالمانية، الفرنسية و الروسية) .
فالنختر احد أبسط المُعادلات الكيميائية “2H2O → 2H2 + O2″ حيث بسهولة وبلا جُهد ممكن أن نترجمها إصطلاحياً الى العبارة التالية :” جزيئتان من الماء تتحولان الى جزيئتيّ هيدروجين ثنائية الذرة، وجزيئة اوكسجين ثنائية الذرة”
إن هذه المُقاربة تتعمق أكثر عندما نُدرك أن المُركبات الكيميائية في المعادلة تكون كالكلمات مُكونة من الحروف كالحال مع -H2O و كلمة ماء- وبتعقيد التفاعل المُحتمل وبالقُدرة على وضع سلسلة متتابعة من التفاعلات على الورق فهذا يدل على قوة الكِتابة، (هذه المُقاربة يتم كسرها بالصيغة البنائية للجزيئات العُضوية المعقدة حيث أن كتابة الرموز لا تُشابه الكلمات).
فكما اللُغة يمكننا بناء عدداً لانهائياً من الصيغ الكيميائية والتفاعلات، من عدد محدود من المُركبات (أحد أبرز المُلاحظات المركزية لـ نعوم تشوميسكي عن اللُغات البشرية).
لكن هذه الجُمل لا يُمكن بنائها إعتباطاً حيث أن هُناك قواعد تتحكّم بمعنى الجُملة وكذلك جودة شكل الجملة بالمُقابل،
أن الفكرة تكمن في أن الكتابة ليست لُغة بل أنها نظام يُمثل الكلام ولكن بلا إحترافية (مثلاً الحروف المُهملة في اللفظ المُدمجة في التهجئة ككلمتي Knife و Night) وبمزيد من التفصيل في هذه النُقطة فأن الأميين (معظم البشر على مر التاريخ) لهم القُدرة على استخدام اللُغة وكما ان هناك نسبة كبيرة من لُغات الأرض الـ7000 لا تملك نظاماً إملائياً، لذلك فإن أنظمة الكتابة لا يُمكن الإستدلال عليها كلُغات. لكن الكيمياء واحدة من الحالات المُغايرة، فلا يمكنك تعليم طفلك التكلم بسلاسة بـ -لغة الكِيمياء_ كما أنها لا تمتلك قواعد نحوية ولكنها بالرغم من ذلك فإنها “لُغة”.
ليست لغة مشتركة
انه من المُغري والمثير أن نرى الكيمياء بمصطلحات لُغويّة، مؤثرة ومنتجة، انطوان لافوازيه ومعاونيه طوروا المصطلحات الفنية للعناصر التي لا نزال نستخدمها الى اليوم، حيث اشتقوا من نظام تذكيري قديم مثلاً مصطلحات كـ “زيت الزاج، الزنجار” الى تمثيلٍ تحليلي حيث ان اسماء المركبات تكشف عن تركيبتها، حيث تم استيحاء هذا النظام من الفلسفة اللغويّة التي انشأها اوتين بونوت دي كوندلياك .
أما جونز جاكوب بيرزيليوس اقترح رموزه الكيميائية لرغبته ببناء نظام كتابة عالمي للكيمياء يُسخّر قوة الحرف الروماني، وكما يوضح احد نلامذتي ايفان هبلر سمث في اطروحته التي قدمها لـ جامعة برنستون، ان هناك العديد من التشبيهات اللغوية التي أحيت مؤتمر جنيف العالمي الخاص بتسمية المركبات العضوية 1892 ، إن الالهام اللُغوي أبدع اهم الأدوات المعرفية التي يمتلكها الكيميائيين اليوم.
إن فائدة رفاهية المجاز لا تتوفر فقط لدى الكيميائيين، أن أعظم لغويو القرن العشرين فيرديناند دي سواشير الاب السويسري لمذهب البنيوية، و اوتو جيسبرسون الدنماركي المتخصص بالأنكليزية، كلاهما أشارا الى أن التسمية الكيميائية هي ايضاح لبعض الخصائص التي بُني عليها النظام اللُغوي، فالكيميائيون في كل اللغات يستخدمون نفس الكيان المسؤول عن الاحتراق، لكن في بعض اللغات كـ (الانجليزية/الهنغارية) يستخدمون اللفظ اللأغريقي المزيف (الاوكسجين)،بينما لغات أخرى كـ (الألمانية/العبرية/الروسية) يترجمونه أقتراضيا الى “صانع-الحمض” في السنتهم الرديفة، بينما لغات اخرى كـ (الدنماركية /والبولندية) تستخدم جذورها اللغوية لتقترب من المعنى بدقة اكثر لكونه مرتبط بـ النار. ولكن ليس أي من هذا صحيح!
كمعيار الذهب الذي تستند قيمته بدلا من ذلك مثل العملة، لها عناصر الحاسمة للأنظمة منفصلة، قابلة للتحول عبر الحدود اللغوية، ومن هذلا المنق فإن مفهوم الأنظمة المحلية والترجمة العالمية وليس تدوين الرموز ولا التسمية الكيميائية تُشابه اللغة على الاكثر وليست تشبيهاََ مطابقاً لكن اليسا متشابهان مجازاً ؟
المصدر: هنا